
حين تتطلع الى قراءة النص المسرحي «ورد ذابل» للكاتب عمار نعمه جابر ، والذي ينوه لنا ، ان هذا النص قصير ، ثم يسرقنا في حوار نصه ، دون أن يقدم لشخصيات نصه ، وكأننا في جدلية او حوار فكري ، بين جيلين مختلفين ، حوار بين ام وابنتها ، تلك الأم التي تمتلك ملهي مصنف ، رواده من الشباب ، في حين ابنتها الراقصة ، التي تفضل العمل في ملهي والدها ، قليل الامكانيات ، والذي رواده من العجائز ذوي الافكار القديمة .
ان هذا الجدال الذي يسوقه عمار نعمه جابر ، بين ام عاهرة وابنتها الراقصة ، والتي تفضل العمل في ملهي أبيها القواد ، يقودنا إلى عبثية في النهاية ، لنكتشف ان الابنة الراقصة ، ماهي إلا طبيبة ! ابواها يمتلكا مصحتين ، احدها مصحة عمومية ، يمتلكها الأب والأخرى، مصحة للتجميل تمتلكها الأم .
لقد استطاع عمار نعمه جابر في نصه «ورد ذابل» ان يسترق لب القارئ ، ويدخله في عبثية الواقع ، ليؤكد لنا أننا أمام معركة لا تنتهي ، هي معركة القديم والجديد ، وليس هذا فحسب ، بل انه يجعل القارئ يتعاطف ويشعر بالحنين إلي الماضي ، الحنين الى هذا التراث العجوز ، محاولا ان يخرجه من شيخوخته ، غير مبالي بوجهة نظر اصحاب الحداثة ، في رؤيتهم الجمالية لنتاجهم أو في نظرتهم للكلاسيكيين أو الرومانسيين اصحاب الحبة الزرقاء كما ورد في النص !
إن عمار نعمه جابر جعل القارئ التفكيكي يتعمق داخل نصه القصير والمكثف ليبرز المضامين المتعددة التي حواها نصه ، فمن البداية ، من اسم نصه «ورد ذابل» والذي يشير الى مضامين متعددة ، تختلف وأيدولوجيات القارئ ، الذي قد يفسرها بأن الورد الذابل ، هو ورد لا قيمة له ، بعد اختفاء رائحته . في حين يراها آخر أنه يحمل عبق وحنين الماضي ، و قد يراها ثالث انها وجهة نظر الكاتب نفسه ، حيث يري أن التراث كالوردة الذابلة ، ماتت ، ولكنها بقيت محتفظة بقيمتها ، التي قد تصلح لاستخراجها ، مرة أخري ، ومن ثم الاستفادة منها .
أما في حوار النص ، فإننا نكتشف كذلك مضامين متعددة ، فتارة نري في جدليته معركة القديم والجديد ، وتارة أخري نري العهر الذي خيم بعبثية علي المشهد الواقعي ، والمتمثل في الطبيب الذي يعمل في مستشفى عمومي ، وبذات الوقت يعمل في مستشفى خاص ، والصراع العبثي المتمثل في خلق حوار عبثي بين عاهرة وابنتها الراقصة ، جاعلين من المرضي ، رواد للملاهي ! وكأنما يقصد الكاتب ، ان يخبرنا ان المستشفيات ماهي إلا ، ملاهي ، والاطباء راقصين ، وفتيات ليل .
واخيرا اري ان عمار نعمه جابر ، قصد مضمونا غير مرئي في النص ، مضمون مضمر ، وهو ان العهر الثقافي الذي اضفاه النخبة علي المشهد الثقافي والادبي ، والصراع الدائر في معركة القديم والجديد ، وإشكالية التراث كقيمة إنسانية وحضارية ، هو ما خلق هذا الحوار العبثي لدي الكاتب ، فجعلنا نتعاطف مع ورد ذابل .
لقد استطاع عمار نعمه جابر في ورد ذابل ، ان يصنع ايقاع منضبط لحواره العبثي المكثف ، لو ان النخبة استطاعت أن تسير علي درب اسلوبه في مسألة الايقاع المنضبط ، لاستطاعت الخروج من معركة القديم والجديد ،ومعركة القصيدة النثرية والموسيقي في الشعر ، واصبح المحدثين تحمل نصوصهم قيمة إنسانيه هامه كقيمة «ورد ذابل» .