مسرحية( قاع) تعبير مختزل لواقع هائل – تحسين كرماني

يمكننا ان نتحسس بصمةصحو “ … في هذا النص المسرحي”قاع “… جهد كاتب يبحث عن حزمة ضوء لبيان نهجه وقراءة رؤيته الجديدة في خلق/ واقع نظير/…
واقع يمكننا قراءته بوضوح دون اللجوء الى مطبات التأويل، نص مسرحي غني بالمضامين، فيه دلالات تختزل اسباب تفكك الحياة واندحارها، لم يحمل”عمار “.غير رؤيته المتوالدة من برعم ثقافة غير مستوردة او متشظية من افكار لا تمت للواقع بصلة، ثقافة الداخل المكتوبة بنيران الادلجة والتسيّس واصفاد القمع والتهميش ، نأى قصياً عن”اتكيتالتحديث غير المدروس، ولم يلجأ للغة صلبة كي يستترف وقت قارئه، او يسحبه الى متاهات قد تدفعه لهجران النص، بتواضع وضع الواقع امامه، وصنع نظيراً مبدعاً ، اقترح الحياة سفينة ، ويا له من اقتراح وجيه، فالحياة عند”عمار “ سفينة قلقة، تتناهبها المتغيرات والبشر هم الضحايا ، الربان هو الموجه وهو المطعم وهو صاحب القرار الاول والاخير ، اذن سفينة”عمار “ سفينة الواقع بكل تجلياته، كما السفينة عرضة للمخاطر وهبوب الاعاصير، الحياة كذلك لقمة سائغة بين مخالب الاشرار، ينتخب برؤية معلم فنان نماذج من شخوص تمثل شرائح فاعلة ومتفاعلة ، تمتلك حق التصرف ، طالما هي الحطب لنيران اججها اصحاب السيادة، الشخوص، تلاوين من فسيفساء المجتمع،”قاص… بدين… شاب… قس… جد… “ والمكان”عمبار “ …
سفينة، لا يختلق فضاءاً فوق العادة او خارج حسابات الزمن، ولا يستنجد بسرياليات مفضفضة لتأطير الاجواء وبث اضاءات تبهر العيون وتسحر القلوب والعقول، يشتغل الكاتب على ثيمة تهميش ادوار شرائح تمتلك مؤهلات وقادرة على الانتاج، وما زج هذه الكوكبة في”عمبار “. الا تعبير مقارن عن اهمال متعمد للانسان وقمع رغباته،”القاص “… انموذج قادر على تشخيص امراض المجتمع، وكتابة الالم الانساني من خلال عدساته المتهيئة لالتقاط التفاعلات اليومية،”البدين “:
يعني لدى”عمار “… آفة حاضرة لابتلاع كل شيء، أنموذجاً يمثل شريحة عقلها في معدتها،”الشاب “:
هو الجيل التائه وسط فوضى الحياة،”القس “… هنا يلعب الكاتب لعبة فنية ، يدرك انه يعيش في مجتمع خاضع لسلطة الدين، لا اعني السلطة المتسيدة، بل ذلك الخوف الفطري المهيمن داخل الفرد، مما يجعل الانسان متردداً في اتخاذ الكثير من القرارات الذاتية، لذلك ينأى الكاتب عن منطقة الشكوك ، ويختار”قساً “ … بدلاً عن رجل دين… قد يريد اضفاء صفة شمولية على”نصه “…
لكن هاجس الخوف غالباً ما يوجه الذاكرة ليسلك المناطق الامنة، سواء اراد الكاتب هذا او ذاك ، افلح في اختياره ، كون الـ”قس “… مرجع لا يحابي السلطات الدنيوية،”الجد “:
رغم غيابه الجسدي له حضور مؤثر بين الشخوص، حضور غير حواري، كونه الماضي المهيمن، من خلال قراءة تاويلية للمسرحية يمكننا ان نحصل على خطأ فادح ما تزال السلطات القمعية تقع فيه، تضع السياسة دائماً المثقفين في خانة المناهضين لها، تهمشهم وتخنق اصواتهم ، لسبب قد يحاججني عليه محاجج ، السياسة لغة الظلاميين والثقافة لغة المتنورين ، في لغة المثقفين لا يصلح الا الصراحة وقول ما يحاول السياسيون السكوت عنه، واذا ما ارادت السياسة ان تكون”وردة “ عليها ان تضع في الحسبان ان المثقف”رحيق “
في”قاع “… تتوالى صرخات المجتمع على لسان من استنجد بهم الكاتب لحمل همومه وغضبه، حوارات مقتضبة، الزمن يتحرك سريعاً، دون الجوء الى تقويم ورقي او تصريح يدلي به على لسان الشخوص، جعل الزمن يلهث من خلال/ صوت هدير البحر/… هذه اللازمة تتكرر”13 “ مرة وهي سنوات الحصار، ويجعلنا ان نشعر بحركية الزمن ولا سكونيته من خلال”المرآة “…
انها تعكس التبدلات الحاصلة للوجه، يمنح الكاتب الـ”قاص “… مساحة واسعة من الحركة وفضاء اوسع للتعبير، ص”10 “ يقول/ المهم ان اموت انساناً يا امي/ … يريد الخروج من صمته، يريد ان يكون ضمن كومبارس الحياة ليعطيها افكاراً جديدة تدفعها الى الامام، يستعين”عمار “ … بـ”الجرذان “… لالباس”نصه “… رداء كارثيياً.
 ما جرى في الواقع يفوق ما تضمنته الاساطير، انها جرذان تلتهم وتتقدم ، ليس ثمة عوائق ، كل شيء آيل للزوال، مثلما فعلت السياسة وفتكت برحم المجتمع، لا بد ان نستحضر”الطاعون/ البير كامو/… “… جرذان… كامو… مثلت منطقياً الاصوات المناهضة للاحتلال، اما جرذان… عمار… فتمثل الخلاص، بشاعة السلطة سرطنت كل شيء، فتكت بما خارج”العنبار … وزحفت لتلتهم ما هو مهمل ايضاً، في المسرحية اشياء كثيرة قيلت دون ان تلتجئ الى اقنعة او تتعكز على شماعة الرمزية، تحصل ملاسنات ومناوشات قبل ان يبرق الخطر ويلم شمل المنقسمين ، ص”20 “ … يقول الـ”قاص “/ نتفق على ان نتوحد في وجهتنا/… وما الجواب الذي يسمعه سوى بارقة يأس/ انت في غرفة الحجر الصحي/… هذا الجواب فيه دلالته، هل يمكن لانسان ان يخترق الحواجز المرصوصة امامه من اجل تخليص البشر من مخالب العتاة ، مهما يكن لا بد من انتفاضة ، هكذا يقرر الكاتب ويرسم بدقة الوقت الملائم، وقت المفارقة المعقولة، يجعل المغامرة بديلاً عن مصطلح الثورة، لكن اصواتاً تتفاقم، اصوات الجرذان وهي تلتهم مصاريع الابواب لتكتسح الجوانب التي خنقتها السلطة، جوانب المتنورين واصحاب الاحلام الكبيرة،”قاع “…
مسرحية فيها ما يشبع الخيال ويفتح ابواباً للتأويل، هموم… افكار…
عبرت بصدق عن سنوات من الفوضى، والكاتب لم يأت من مدرسة للفنون، انما جاء يتسلح بـ”دبلوم نفط عالي “… لحظة اكتشف قابليته عل اداء الادوار ضمن”جماعة الناصرية للتمثيل “… وما نصه”قاع “:
 سوى شهادة ميلاد كاتب يمتلك الشجاعة الواجبة والرؤية الناضجة والثقافة الميدانية والحرص والمثابرة لتنقية ماء المسرح العراقي من رثاثة السنوات العصيبة.