مسرحية المارد – تحليل – تامر ميثم

العينة رقم (3) .

أسم المسرحية : المارد ([1]) .

المؤلف : عمار نعمة جابر (*) .

سنة التأليف : 2011م .

المتن الحكائي للمسرحية :

  تعد مسرحية (المارد) للمؤلف عمار نعمة جابر من المسرحيات المؤلفة حديثاً والتي تبرز الكثير من الأماني والأحلام الكامنة في شخصية الفرد العراقي ، ويطرح المؤلف فيها مواضيع اختلفت في خطاباتها لكنها انضوت تحت يافطة الأمل والسعي إلى تحقيق ذاتوية الفرد والصراع الحاد بين ما هو عقلي وما هو حسي ، وبما إن الفرد العراقي عاش ما يقارب نصف قرن ضحية آيديولوجيات مقيتة أنهكت من قواه وإلى الآن هي قيد التهميش لذلك المجتمع إلا أنه بعد التطور الحاصل الآن والذي يعيشه ذلك الفرد وبصورة تتسم بالعبثية من خلال تعامله مع الأشياء لأنه عانى من فقدها مسبقاً لكنها في المجتمعات المتقدمة أصبحت بالية ، وبالرغم من أن المسرحية هي من فصل واحد لكن المؤلف ضخ فيها ما أراده وما يسعى إليه وأبناء شعبه من طموحات وسط ضجيج التطور الحاصل . وتدور أحداث هذه المسرحية أثناء دخول الأب للبيت وهو يحمل (المارد أو المصباح السحري) ، فيذكر الأب لأسرته بأن هذا المارد سوف يحقق الأماني التي يتوق لها كل فرد من أسرته وذلك بدعكة على سطح المارد الذي سينفذ ما يطلب منه وكالعبد ، فتبدأ أماني الأم وتوجهاتها العقلية بإكمال دراستها ، وبين رغبات الشباب التي حملت نزعة حسية في توجهاتها وأمانيها كـرحلات الفضاء والدخول في مجال الفن وصولاً إلى العالمية وغيرها ، وبعد أن يكتشف الأب بأن دعكة المارد ستفرقهم يطلب من أبناءه إعادة قرارهم والنزوع صوب تحقيق أمل جميل لكل الأسرة وإلا سيرمي هذا المصباح إن حاول تفريقهم .

تحليل المسرحية :

   دخولاً من العنوان الذي أناطه المؤلف لمسرحيته والمسماة (المارد) وما يسمى أيضاً بـ (المصباح السحري) تلك التسمية التي لطالما ارتمت واستوطنت في ذهنية الفرد العراقي عبر محكيات الطفولة التي كان (الجد/الجدة) يطربوا مسامعنا بها ، (المارد) تلك العتبة المترتبة صورتها في الذهن والمحققة لطموحات وآمال وأماني الأفراد ، فحين تذكر هذه المفردة حتى يبدأ الغوص في الأمكنة المفترضة والرحلات التي يحققها هذا الشيء . ومن هنا يتراءى للباحث الإمكانية التي ينقل بها المارد الأفراد خارج ثنائية (الزمان/المكان) وخلق واقع مفترض مبتغى أفضل ومتناقض وطبيعة الواقع المعاش .

   تبدأ أحداث المسرحية في لحظة دخول رب الأسرة (الأب) إلى البيت وهو يحمل المصباح السحري ، وبلحظة آنوية تحمل في إفرازاتها غمرة من الفرح والرقص والتنقل ما بين الشمال واليمين وكأنه يؤدي طقوس خاصة لهذا المصباح السحري ، بعد هذه الطقوس المقامة والقصيرة بمدتها يبدأ الأب بحديثه ذات الصوت العالي مع المصباح ، وحمل هذا الحديث البهجة المتأرجحة بين تصديق حصوله للمصباح وعدم حصوله ، بعدها تظهر شخصية الزوجة (الأم) وهي متفاجئة مما يحصل لزوجها وتسأله عما يحمله بيده ، فيجيبها بأنه المصباح السحري الذي ذُكر وقُصَ عنه في الحكايات المروية عن شخصية (علاء الدين ومصباحه السحري) المتسمة بخرافيتها ، بعدها يبدأ الأب بمناداة أولاده ومفاجئتهم بحصوله على هذا المصباح .

الابن الأكبر : أبي ماذا هناك … يا أبي … ؟

الابن الأصغر : سمعتك تذكر علاء الدين … ؟

الابنة : ما هذا الذي تحمله بيدك يا أبي ؟

الأب : إنه المصباح السحري يا صغيرتي … (يخاطب الأولاد) لقد وجدت المصباح السحري … المصباح السحري الذي يسكنه المارد … المارد … نعم … المارد الذي ينادي دائماً ، شُبَيك لُبيك … أنا عبدك بين يديك … ويحقق لنا أصعب الأماني … وأكبر الأحلام … ستطلبون منه كل ما تشتهون … نعم كل ما تشتهون … وأُمكم ستطلب أي شيء … أي شيء ترغب بهِ … نعم يا عزيزتي … أما أنا … فسأبقى أطلب منه حتى صباح الغد … لن أترك أمنية إلا وسأحققها … لن أفوت حلم حلمت به منذ كنت شاباً إلى اليوم إلا وحققته … هذا المصباح السحري بين يدي … لا أصدق نفسي … كم أنا سعيد … (ص114)

من خلال ما تقدم من الحوار أعلاه يكشف المؤلف عن ماهية المصباح السحري ومارده ، والتي يرى الباحث بها بأن المارد هو وسيلة يسعى من خلالها الأب والأسرة لتحقيق مآربهم ومساعيهم التي تظهر في ذهنية الأب منذ الصغر فهو يسعى للأفضل والارتماء بواقع رغيد وجميل عبر هذا المصباح ، وبهذا يكون المصباح عتبة محققة لليوتوبيا فهو يظهر الوازع الحسية المضمرة والتي قد تكون محايثة للإضمار في البيئة الخاصة التي يعيشها المؤلف .

في هذه الأثناء تندهش الأم بما يقوله زوجها عن ذلك الشيء الذي سيضعهم في فضاء أثيري ، فتمسك الأم بهذا المصباح السحري وتتأمله بما يحمله هذا المصباح من عتق ، فتقول لزوجها بأنه قديم وبالي وكأنها لم تقتنع به ، فيجيبها الزوج بأن المائزة الرئيسة والمهمة في هذا المصباح تتمثل بباليته وقدمه .

ينطلق الحدث بالتصاعد المتعالق ورغبات أفراد البيت المتنوعة والمختلفة فيما بينها كلُ وحسب تفكيره ، ويظهر الإرباك على الأفراد في محاولة طلبهم لرغباتهم ومشروعية تحقيقها من قبل المارد ، ويرد الأب على أبنائه بأن كلٌ منهم لهم حصته وما تطلبه ذاته لكن سيكون الطلب الأول لزوجته .

الأب : … تكلمي يا عزيزتي ، أي شيء تتمنين أن يحققه لك المارد ؟

الأم : أنا … ؟

الأب : نعم فكري في أكثر الأحلام أهمية عندك …

الأم : أنا … (تتحرك) أتمنى أن أكمل دراستي … التي حرمني منها الزواج والأطفال … سأطلب من المارد أن يوفر لي كل سُبل الدراسة في أرقى جامعات العالم وسأقضي سنين هناك على مقاعد الدراسة ، في ذلك العالم الواسع والكبير … وأن أصل إلى أعلى مرتبة دراسية … وأشغل أكبر المناصب الإدارية … إنه العالَم أشاهده كل يوم في أفلام التلفزيون … وأنام وأنا أحلم به … وأصحو وأنا أحلم به … سأطلب من المارد أن يأخذني إلى هناك دون عودة … (ص115)

   من خلال ما تقدم من الحوار أعلاه يرى الباحث بأن أولى تكريسات المؤلف كانت لمفاهيم (المعرفة , العلم) التي لطالما فقدت المرأة العراقية مزاولتها بسبب مقتضيات الزواج التي تحكم عليها ، فيجد الباحث بأن الأم تسعى إلى تحقيق يوتوبياها والمتمثلة بالعلم والمعرفة وأن تكون في وضع مرموق حرمها الواقع من أن تتواجد فيه ، لذا كانت العولمة المتمثلة بـ (التلفاز) سبباً في قهرها ، لذا كان المصباح السحري وسيلة لتحقيق اليوتوبيا التي ترمي لها الأم وحلمها بالوصول إلى مراتب علية في الدراسة ومارستها وأشغالها لأكثر المناصب الإدارية التي حرمتها منها آيديولوجيا ما أيضا وكانت هنا الحيازة للعقل في التواق .

يفاجئ الزوج بما تقوله زوجته ، فأن ما يحققه المارد سيجعل زوجته في مكان وزمان بعيد العائلة ويقول لها عن ذلك الانتزاع الذي سيعمله المصباح السحري بهم لكن الزوجة ترد بأن المصباح سيحقق لها ما تريد وهم أيضاً . وبين تلك الاختلافات يبرز الابن الأكبر ليطلب ويأمل من المصباح أن يحقق له مراده .

الابن الأكبر : أما أنا … فسأكون صريحاً معكم … أنا سأطلب منه أن يضعني في أجمل الجزر البعيدة … وأن يختار لي أجمل النساء … خمسة … عشرة … عشرين بقدر ما يستطيع … وأن يبني لي بيتاً كبيراً بمسابح وحمامات ومطار لطائرة صغيرة … وأن يكون تحت يدي موظفون كثيرون يديرون كل تفاصيل حياتي … سأطلب من المارد أن أكون هناك إلى الأبد … (ص116)

   يطرح المؤلف في الحوار أعلاه فكرة (إشباع اللذة) المتمثلة بالشهوانية الفردية ، فشخصية الابن الكبير تنزع صوب تحقيق اللذة الشهوية التي بقت مضمرة لدى الفرد العراقي وهذا يتأتى من طبيعة المجتمع الذي يخضع الفرد وجوباً لتعاليم الدين والذي بدوره –الدين- تحول إلى آيديولوجيا ضاغطة على ممارسات الفرد ، لذا كان السعي عبر المصباح السحري صوب هكذا يوتوبيا يتمثل بسيادة جانب (الحس) وتمرده إزاء الآيديولوجيا القامعة لِلَذاتِهِ ومواصلة التطور الذي وصلت إليه بقية المجتمعات المتقدمة .

بعد كلام الابن الأكبر عن مطلبه وأمنيته تبدأ على الأب علامات التوجس لأن ابنه سيغادر أيضاً حياتهم ويترك والديه ، فيحاول الأب أن يرد على أبنه ومطلبه حتى تأتي الابنة بالمقاطعة .  

الابنة : أنا يا أبي لن أطلب مثل أخي … ولا مثل أمي …

الأب : ستطلبين أن تكوني معي … أليس كذلك ؟

الابنة : ولا ذاك يا أبي … أنا سأطلب من المارد أن تكون لي أشهر فرقة موسيقية في هذا العالم … وأن يجعل كل الناس تحب موسيقاي وغنائي … وصوتي الجميل … ونجوب أنا وفرقتي كل مدن العالم … سأقضي حياتي المتبقية وأنا أُغني بكل اللغات … وعلى كل الأنغام … (ص116)

يظهر الحوار أعلاه البعد الطهروي لليوتوبيا الذي يسعى إليه الكاتب من خلال التحدث بلسان شخصيته (الابنة) ، فالابنة هنا تسعى إلى تحقيق فردوس أرضي خاص بها يتسم بجماليته وتنقيته للذات في الوقت الذي يقف المجتمع فيه بالضد من هذه الظاهرة -الموسيقى- للرجل فكيف إذا كانت المرأة تصبو إلى ذلك الأمل ، كما يستشف الباحث أيضاً تواق الابنة إلى المعرفة وتعلم كل اللغات كي تتمكن من الوصول إلى الشهرة ومواصلة ترحالها عبر الموسيقى .

ويستمر الحدث في تصاعده ليكشف عن الخيبة التي تبدو ظاهرة من خلال ملامح وجه الأب ، حيث يوجه كلامه لأبنته وهو متأسي عازماً على أن يغير من رأيها لأن المارد سيأخذ منه ابنته الوحيدة لكنالبنت تزداد تفاؤلاً . بعدها يزج الكاتب بطلب الابن الأصغر ليزداد الأب قلقاً على مصير العائلة .

الأب : (إلى أبنه الأصغر) وأنت أيضاً تريد أن تطلب شيئاً كبيراً ؟

الابن الأصغر : لا يا أبي إنه صغير … صغير جداً … بقدر حبة الباقلاء …

الأب : حسناً ، إذا كان بقدر حبة الباقلاء … فقل ما في خاطرك …

الابن الأصغر : أنا سأطلب منه مركبة فضائية … أجوب بها هذا الكون الفسيح … فأتناول طعام الغداء في كوكب … وأتناول العشاء في كوكب آخر … وأقضي ليلتي على سطح كوكب ساحر … (ص16 ، 17)

  من خلال الحوار أعلاه يرى الباحث انزياح ذهنية الابن الأصغر صوب تحقيق يوتوبياه المتمثلة ببعض العوالم المفترضة والموجودة كصورة ذهنية تجسدت من خلال مشاهدات برامج الأطفال ، ليظهر هذا الجانب الحسي الآخر في محبة الطعام والتنقل بين كوكب وآخر لتناول الوجبات والنوم بصورة وبمكان لا ينتمي إلى الواقع السحيق .

ويرى الباحث من خلال أماني (الأم ، الابن الأكبر ، الابنة ، الابن الأصغر) والتي تتراوح بين ما هو عقلي وما هو حسي إلا أنها تشترك في النزوع صوب (زمان/مكان) مفترضين ومتعارضين ومتضادين مع الواقع المعاش فكلٌ منهم رسم يوتوبياه على ما يجول بخاطره من تمني ليخلقوا في ذلك اللاوجود مكان مثالي .

بعده يبدأ الحدث بالهبوط ليعلن كل من (الأم ، الابن الأكبر ، الابنة ، الابن الأصغر) ، القيام بدعك المصباح لتتحقق أمنياتهم المرجوة ، فالأم أصرت على وصولها لما تبغي والابن الأكبر يريد المغادرة لتلك الجزر ليمارس شهواته والابنة ترتجي الأب كي يتحقق منالها وكذلك الابن الأصغر ، ووسط هذه النداءات يقف الأب باهتاً ومتفرجاً لا يجيد التعبير لأن الأسى بدأ ينهكه ليعلن بعدها قائلاً .

الأب : ولكن هذا المارد يا أحبائي … سيفرق بيننا … سيحولنا إلى غرباء … سنهدم هذا البيت … ولن يكون بيننا لقاء أبداً ، لأننا سنكون كل واحد في عالمه الخاص … لقد كان كل واحد منكم يحلم لنفسه … وليس هنالك من سجل حلماً من أجل الآخرين … لماذا لا نحلم ولا نفكر إلا بأنفسنا …! … ألا يوجد مكان للآخرين في دواخلنا … كم هو كبير أن يأتيك من يحقق كل أحلامك …وبدعكة يدٍ واحدة … ولكت هذا الكبير سيصبح وبالاً علينا … إذا لم نحوله من أجلنا جميعاً … لا أن يدفع بالنار نحو خبزه فقط … ! (ص117 ، 118)

بهذا الحوار ينهي الكاتب مسرحيته ليكون أمله في النهاية هو الاشتراكية في الحياة والمساواة ومحبة التفكير في الآخر ، فالذات إذا بقت تنحوا نحو تحقيق مآربها الفردية ستعيش في حالة اغتراب ، لذا في هذه المسرحية كانت دعوة للتفكير في الآخر ومشاركته ونبذ المصلحة الفردية الأحادية الجانب لإنتاج حياة أجمل ، كما عبرت المسرحية عن توجه الكاتب صوب العولمة التي يجوب بخاطره مزاولة ما فيها للنهوض بواقع أكثر تقدماً ورقياً كي يحايث ما وصل إليه الآخر ونتاجه المضمر بذات الكاتب الحالم والمتأمل والتواق ليوتوبيا أرضية .


(1) عمار نعمة جابر ، شاورما : نصوص مسرحية ، ط1 ، ( دمشق : تموز للطباعة والنشر والتوزيع ، 2012 ) .

* عمار نعمة جابر : كاتب مسرحي عراقي ولد في مدينة الناصرية عام 1973م ، وهو عضو اتحاد الأدباء والكتاب ، وعضو التحاد المسرحيين الشباب منذ عام (1993) ، صدرت له المجموعة المسرحية الأولى (مقامات نورانية) عام 2008 ، ومجموعته المسرحية الثانية (نادي للضحك) عام 2010 ، مثلت وعرضت نصوصه داخل وخارج العراق وكان أهمها مسرحية (قاع) التي أخرجها كل من : المخرج الأردني ثامر الخوالدة والمخرج العُماني يعقوب الحتروشي والمخرج الكويتي أحمد النمر ، وكذلك نص مسرحية (قبور بلا شواهد) الذي أخرجه المخرج العراقي ياسر البراك ، وحصد المؤلف العديد من الجوائز كان أهمها : الجائزة الثالثة في مسابقة هيئة المسرح العربي / الشارقة عام 2010  ، والجائزة الثانية في مسابقة دبي الثقافية / دبي 2011 . للمزيد ينظر : عمار نعمة جابر ، مصدر سابق ، ص141 ، 142 .