قراءة في مجموعة مسرحية : ( نادي .. للضحك ) تنوع في الأسلوب والمضمون – عمار سيف

بعد المصالحات الأخيرة بين دار الشؤون الثقافية وبين المنجز الشبابي ، جاء صدور المجموعة المسرحية ( نادي .. للضحك ) للكاتب العراقي عمار نعمة جابر، ضمن مجموعة من الإصدارات أطلق عليها مسمى ( سلسلة بصمات ) وهي سلسلة تعنى بالإصدار الأول  . فكان تسلسل مجموعة ( نادي .. للضحك ) هو الثامن ، لتسبقه مجموعات تنوعت بين مسرح الطفل والكبار ، والقصة والشعر .

و نادي .. للضحك  مجموعة مسرحية بقطع متوسط ، وبصفحات بواقع  127 صفة ، ضمت بين دفتيها خمسة نصوص ( قاع ، ونادي .. للضحك ، وحقائب ، وحلوى ، وبقايا في قبو ، وحارس ورئيس )  اختلفت في الطول ، ولكنها كانت في المضمون أكثر اختلافا  .

إن طباعة النص المسرحي الأدبي ، هو حاجة ماسة نقدر من خلالها أن نرفد الساحة العراقية والعربية ، بنصوص مكتوبة تغني المكتبة المسرحية أولا ، وتطرح خيارا أوفر للمخرج المسرحي كي يختار النص المحلي والعربي ليقدمه بديلا للنص المترجم ، لما فيه من موضوعات تلامس الواقع والفكر العربي  . وكلنا على معرفة مسبقة بقلة كتّاب النص المسرحي المتخصصين ، أمام الوفرة الكبيرة في كتّاب الشعر والقصة وغيرها من فنون الأدب ، لما في النص المسرحي من صعوبة في النسج الأدبي ، كونه يتطلب توافق كبير بين المتن الحكائي ، والتخيل الصوري ، ضمن أداة قد لا تبتعد كثيرا عن استخدام المفردة في إيصالها .   

كان الاختيار لهذه المجموعة من نصوص الكاتب عمار نعمة جابرهو من قبيل طرح تعريف بحجم المساحة التي يشتغل فيها هذا الكاتب ، منذ أن دخل ميدان النص المسرحي في عام 2002 ، وهو معروف للوسط المسرحي كعضو مؤسس في جماعة الناصرية للتمثيل منذ العام 1993 ، ممارسا فعله المسرحي كممثل وفني ومديرا للمسرح في أعمال هذه الفرقة جميعها تقريبا .

جاءت نصوص جابر الخمسة معلنة عن أساليب مختلفة في بناء النص المسرحي ، حيث أننا من القراءة الأولى لكل نص فيها نتعرف على كاتب يحاول دائما أن لا يكرر نفسه في نصوصه ، ليفتح للقارئ متعة التجوال بين عوالم جديدة ومبتكرة في بناء النص . وهذه ميزة عرفنا فيها الكاتب عمار نعمة جابر في كل نصوصه المنشورة والمخطوطة ، حيث تنوع بناءه للنص بشكل ملفت للانتباه ، باحثا في كل تجربة عن أسلوب يحاول من خلاله التجريب في كتابة نص يخلق روح الدهشة لدى القارئ ، ويوفر مقومات المتعة التي يتطلبها البناء الأدبي للنص المكتوب .

يقول جابر في البوك الذي وزّع أثناء عرض نصه قاع في الكويت عام 2004 ( نص قاع كان محاولة لطرح المفاهيم والرؤى من خلال شفر ورموز ودوال تتحرك على المسرح ، وتحاول أن تشكل فضاءه ، الذي لا يشترك مع الواقع سوى بشكله الظاهري ، )  وهذا ما يمكن تلمسه في نصه المتميز قاع والذي قدم في عدة دول  ( الكويت والأردن واليمن وسلطنة عمان والسعودية  والموصل في العراق ) محققا جائزة أفضل نص في مهرجان فلادليفيا لعام 2008 ، فكان قاع نص متماسك بني بشكل رصين ، كانت موضوعة الانتظار ، والعذابات التي تتحرك فيها البشرية بكل مستوياتها الاجتماعية والفكرية ، هي التي قادت هذا النص لتعدد القراءات التي قدم بها هذا النص في مسارح عربية متنوعة الثقافات . يقول الكاتب عمر أبو الهيجاء بعد مشاهدته عرض قاع في الأردن (ونستطيع القول بأن نص المسرحية يختزل أيضا أسباب تفكك الحياة واندحارها ، ويتمثل كاتب هذه المسرحية الحياة بصورة سفينة قلقة من حملها عدة شرائح مثقفة وطاقات ذات دور فاعل في المجتمع بحيث يتحولون إلى ضحايا مسلوبة الإرادة وكما يتعرضون لألوان من المخاطر ، مثل الإهمال وقمع الكثير من الرغبات والتهميش المتعمد. ) وفي مقال للكاتب محمد جميل خضر يقول بحق قاع (وكان الانتظار نجما آخر من نجوم مسرحية قاع “جدي لم يكن ينتظر أحدا أنا من ينتظر جدي”. كان موتا خشبيا فوق منصة العرض . موت عاجز عن مواجهة الواقع ، وحتى عندما انفتح باب الحجر فجأة فإن القابعين أسرى لعنة القدر قرروا ألا يستفيدوا من بصيص حرية لاح في الأفق وعادوا إلى توابيتهم طائعين !  ) وأيضا يقول الكاتب العراقي تحسين كرماني في مقال منشور عن نص قاع (هل يمكن لإنسان أن يخترق الحواجز المرصوصة أمامه من اجل تخليص البشر من مخالب العتاة ؟ ، مهما يكن لا بد من انتفاضة ، هكذا يقرر الكاتب ويرسم بدقة الوقت الملائم، وقت المفارقة المعقولة ، يجعل المغامرة بديلاً عن مصطلح الثورة، لكن اصواتا تتفاقم، أصوات الجرذان وهي تلتهم مصاريع الأبواب لتكتسح الجوانب التي خنقتها السلطة، جوانب المتنورين وأصحاب الأحلام الكبيرة. قاع مسرحية فيها ما يشبع الخيال ويفتح أبوابا .. للتأويل.. هموم…أفكار..) .

أما النص الثاني ( نادي .. للضحك ) والذي شاء الكاتب أن تكون المجموعة تحمل اسم هذا النص  ، لما في الاسم من مدلولات مسرحية وتعدد قراءات لنفس المفردة ، فلقد تعرفنا عليه من خلال فوزه بالمرتبة الثانية في جائزة عون الخشلوك عام 2008 ، وهو نص ضم في تمارينه الستة ، أسلوب التحول الفكري والنفسي والجسدي من الإنسانية والاعتدال نحو الوحشية ومفهوم التطرف ، محاولا تسليط الضوء على زاوية مظلمة من الأفكار والغزوات التي اجتاحت العالم منذ سبتمبر 2001 .

أما نصيّ ( حقائب و بقايا في قبو ) فهي نصوص قصيرة كانت من بدايات ما كتب الكاتب ، وهي لا تخلو من رمزية عالية في الطرح ، وموضوعات لا تنغلق على مكان أو زمان معين ، بل هي مفتوحة باتجاه الهم الإنساني .

  وآخر المجموعة كان نص قصير جدا اسمه ( حارس ورئيس ) وهو نص أذهلني كثيرا ، وأعجبني هذا الأسلوب في كتابة نص كامل بدون أي كلمة ، كانت كل الحوارات هي همهمات لشخصيات تتصارع من اجل الوجود ، ومن اجل الحيازة على الحرية من جهة والسلطة من جهة أخرى .

لا يمكننا أن نحكم على مجموعة ( نادي .. للضحك ) كونها بداية للكاتب عمار نعمة جابر ، فهو الذي انطلق نحو العربية منذ عام 2004 ، متحركا ككاتب قدمت أعماله في عدة دول عربية ، توجها جميعا بحصوله على المرتبة الثالثة في مسابقة الهيئة العربية للمسرح في الشارقة 2010 من خلال نصه ( الطيور لا تعرف الآلهة ) من بين 43 متسابق من مختلف البلدان العربية ، ولكننا هنا نبارك لهذا الكاتب هذا المولود المتميز ، ومتمنين أن يمنح الشباب فرص اكبر للنشر في دار الشؤون الثقافية .

الناصرية

3/7/2010