(قبور بلا شواهد).. رؤية درامية لتراجيديا المقابر الجماعية -عدنان الفضلي

بعد فوزها بالجائزة الأولى في الملتقى الثقافي العراقي الأول بمسرحية (الدرس) تأليف يوجن يونسكو وإخراج ياسر البراك في أيلول الماضي، تواصل جماعة الناصرية للتمثيل تمريناتها اليومية على مسرحية (قبور بلا شواهد) تأليف عمار نعمة جابر وإخراج ياسر البراك أيضاً وتمثيل نخبة من أعضاء الجماعة، واللافت للنظر ان الجماعة تسير على برنامج مسرحي متواصل تقدم فيه مختلف الانماط المسرحية بالرغم من كل المعوقات التي تعانيها بدءاً بافتقارها لقاعة عرض مسرحي مناسبة ومروراً بقلة الدعم المادي وانتهاءً بقلة الكوادر المسرحية ومن اجل الوقوف على طبيعة هذه التجربة الجديدة للجماعة ارتأينا محاورة منتجي مسرحية (قبور بلا شواهد) مؤلفاً ومخرجاً وممثلين للحديث عن الاضافات المسرحية في هذه التجربة.
يقول المؤلف عمار نعمة جابر: ان لجماعة الناصرية للتمثيل دوراً كبيراً في صقل موهبتي المسرحية فهي التي قدمتني ممثلاً ثم مديراً للمسرح ومؤلفاً، إذ أصدرت لي الجماعة مسرحية (قاع) ضمن سلسة كراريس مسرحية التي تصدرها الجماعة بعدها أصدرت لي كراسا عن تاريخ الجماعة بعنوان (جماعة الناصرية للتمثيل.. تاريخ ومنجز) تبعتها باصدار مسرحية (مقامات نورانية) ثم قدمت لي مسرحيتين هما (ليلة جرح الأمير) ومسرحية (العصفور والوردة) وهي من نمط مسرح الدمى، اما مسرحية (قبور بلا شواهد) التي سوف نقدمها قريباً فهي مسرحيتي الثالثة التي ستجسدها الجماعة على الخشبة، وحاولت فيها البحث في تاريخية المقابر الجماعية على الخشبة، انطلاقاً من الارث التراجيدي الكبير الذي يحويه تاريخ الإنسان العراقي عبر استحضار شخصية (جابر) الذي يزور المقابر في أربعينية الشهداء، وقد مزجت بين اللغة الفصيحة واللهجة العامية تأسيساً لمناخات شعرية يمكن ان تمنح المخرج فضاءات تأويلية في بناء رؤيته الإخراجية، كما حاولت اللعب بالزمن الدرامي ومزجت عدة أزمنة في حدث واحد. اما المخرج ياسر البراك فيقول: تأتي هذه التجربة لتعمق من فرضياتنا الاخراجية التي جربناها في اطروحتنا المسرحية (المسرح الاسقاطي) حيث تعتمد الرؤية الاخراجية في هذه التجربة على فاعلية الطقس الشعبي كنسق من انساق التواصل والتلقي المسرحي، إضافة إلى الاعتماد على الطاقة الأدائية التعبيرية للممثل للاستفادة من الجسد كشفرة مركزية في العرض تؤثث المشهد التعبيري وتمنحه جمالياته التي يمكن ان تثير الدهشة والتأمل لدى المتلقي، وقد ركزت في سينوغرافيا العرض على ما تثيره المفردة المركزية من مستويات دلالية عبر التحول العلامي المستمر وفق حركية درامية مناسبة تعطي اثراً صورياً مباشراً، كذلك مايثيره الجرس اللغوي من أثر شعري في ذاكرة المتلقي عبر استحضار الخزين العقائدي كالطقوس العاشورائية ودلالات اللون ومستويات التنغيم الصوتي التي تخاطب حواس المتلقي مباشرة وتؤثر فيه. اما الممثل حيدر جبر الذي يؤدي شخصية (جابر) فيقول عن شخصيته: انها تعبير حي عن الاصالة العراقية وعن الجذور المتوغلة في هذه التربة المباركة، تلك الشخصية التي تتسم بالصفاء والطهارة والعفة والطيبة وتنحو منحى التفاعل مع الموروثات الإنسانية التي تحفل بها الذاكرة الجمعية للإنسان العراقي، ورغم ان الحدث الذي يرتبط بشخصية (جابر) حدث تاريخي، إلا ان قراءة الشخصية ضمت معطى ورؤية الإخراج، إذ لم تأخذ من عملية (الاستدعاء) سوى صورتها المرجعية، وإلا فان تناسل الحدث مغاير تماماً فثمة رؤية عصرية تغادر المتن الحكائي التقليدي القديم للحدث وتحاول ان تفجر الموجودات الأرضية بلغة حميمة وبأفكار مرنة تحمل الكثير من التأويل ضمن سياقها في بنية العرض في حين يرى الممثل عمار سيف في شخصية (عبد) الحالة التواصلية المعاصرة لشخصية (جابر) وهي قراءة جديدة للمرجعية الثورية التي تختزنها ذاكرتنا ومالها من ازاحات روحية في دواخلنا إذ تفتح نسقاً تواصلياً مع المتلقي عبر الفعل الثوري الممزوج بالولاء العقائدي لشخصيات الشهداء، ويرى مؤيد حسين الذي يؤدي شخصية (الرجل) ان شخصيته ليست شخصية بالمفهوم المتعارف عليه في الدراما بل هي علامة أكثر من كونها شخصية سايكلوجية ولذلك فهي يمكن ان تشير إلى شخصيات ماضوية/ تاريخية أو إلى شخصيات آنوية/ معاصرة، أو إلى شخصيات بعدية/ مستقبلية، المهم أنها إحدى الشخصيات التي تحتمل تأويلات عديدة في المسرحية. أما الممثلان ستار عبد الواحد وحيدر عبد الرحيم فيريان ان عملهما في هذه التجربة ومع جماعة الناصرية للتمثيل يشكل خطوة مهمة من أجل تعلم ابجديات الفن المسرحي، حيث انهما يريدان ان ينهلا من عالم المسرح الواسع والرحب واكتساب معارف جديدة تصقل شخصيتهما الفنية، لذلك فهما حريصان على تعلم ابجديات هذا الفن داخل مدرسة الجماعة لانها معنية بانتاج جيل جديد من المسرحيين الذين يمكن ان يشيدوا حياة مسرحية حقيقية في المستقبل تسهم في بناء العراق الجديد وتطوره.