مسرحية أزيز

( الأول والثاني يهمسان لبعضهما )

الاول  : هيا تكلم ، لماذا لا تقول حوارك !

الثاني : أنا !

الاول : نعم انت ، ألا ترى أنه لا يوجد أحد غيرنا هنا ، تكلم .

الثاني : أتكلم ، ماذا تريدني أن أقول ؟

الاول : ماذا دهاك ، قل حوارك .

الثاني : أي حوار ، لا ادري ما لذي يجري هنا !

الاول : لا تقل لي أنك لا ترى اننا نقف على المسرح ، وأنك يجب ان تنطق حوارك حالا ، لان الجمهور يشاهدنا .

الثاني : نحن على المسرح ! ما لذي جاء بي الى هنا !

الاول : هيا تكلم بسرعة ، الجمهور ينظر الينا .

الثاني : ولكنني لا اعرف ما يجب أن اقول .

الاول : ماذا دهاك ! هيا تكلم بسرعة .

الثاني : يا سيدي أنا لا أعرف أصلا ، ما لذي جاء بي الى هنا ، أنا لا ادري كيف وصلت هنا !

الاول : هل جننت ، الا ترى ، نحن كلانا ، أنا وأنت ، نشترك في عرض مسرحي واحد، وقد بدأ الان !

الثاني : أقسم لك أنني لم أعرف ذلك الا منك الآن .

الاول : يا الهي ! من المؤكد أنك فقدت عقلك ، لا تقف هكذا قل أي شيء .

الثاني : افهمني ارجوك ، أنا فتحت عيني الان ، ووجدتك في وجهي ، لا اعرف من أنا ، ولا من أين جئت ،  فجأة وجدت نفسي هنا .

الاول : يجب عليك الان أن تبدأ العرض فورا ، الجمهور ينتظر .

الثاني : ، أنا لست على ما يرام يا سيدي ، أنا لا استوعب ما هو الموضوع الذي  حُشرت فيه هنا ، ومن حشرني ، ولماذا ؟

الاول : حاول فقط ان تملأ مكانك ، املأ المكان بالفعل ، افعل أي شيء يخطر في بالك . .

الثاني : أفعل ماذا ؟ لمّح لي فقط ، ضعني في صورة ما يجري هنا .

الاول : حسنا ، لقد فتحت الستارة قبل قليل ، إنها بداية الحكاية  .

الثاني : البداية ، حسنا ( يبدأ بالبكاء بصوت واطئ ، ثم يرفع صوته شيئا فشيئا ، حتى يصبح صراخا )

الاول : ( مع الجمهور ) النشيج الاول ، شهقتنا الاولى ، هل هي رفض المجيء ، أم الاحتجاج بصوت عال .. أم تراه حزنا ، لما سيجري لنا لاحقا !

( الثاني مرة يبكي مثل الطفل ، ومرة يبكي مثل شخص بالغ  )

الاول : كل شيء حولنا ، مبهم ، لا ندرك الاشياء ولا الاشخاص ، ولا الاحداث ..

( الثاني يزيد من حدة الصراخ )

الاول : لا ندرك اين يجري العرض ، لا مكانه ، ولا زمانه ، بل ولا نعرف حتى ماهية الجمهور من حولنا ، بشرا ، وحوشا ، حيوانات !

الثاني : ( يصمت ، يهمس مع الاول ) هل تقصد انك مثلي ، لا تعرف ما يجري !

الاول : ( يهمس مع الثاني ) لا تتوقف عن الحركة والايماءات ، واصل العرض ، لا يجب أن يهبط إيقاع عرضك المسرحي ( يلتصق بالثاني ) نعم ، أنا مثلك تماما .

( الأول والثاني ، يتحركان في المكان بحركة تعبيرية تشير الى مواصلتهم الحياة  )

الثاني : ( يهمس مع الأول ) ومتى جئت الى هنا ؟

الأول : جئت قبلك ببرهة فقط ، وأنا مثلك تماما ، لا اعرف ما لذي يحدث هنا .

الثاني : اذن ، لماذا تطلب مني أن اقول حواري ؟

الاول : وجدتنا كلينا نقف هنا ، على هذا المسرح ، فتوقعت أننا ممثلين في عرض مسرحي . وحين شاهدت الستارة ترتفع ، ورأيت الجمهور من حولنا ، عرفت فورا انه ينتظر أن نؤدي دورنا أمامه .

الثاني : ولماذا نحن بالذات !

الأول : صدقني ، لا أدري .

الثاني : ماذا يراد منا ، ما هو دورنا هنا ، على هذه الخشبة الخاوية ؟

الأول : لا أملك أدنى فكرة .

الثاني : حسنا ، ولكن ربما قد يحدث ، أن هذا الجمهور ، لا يفهم لغتنا ، ربما هو يتحدث لغة أخرى .

الاول : لا نملك خيارات اخرى في اللغة ، نحاول ان نقرب لهم الامر ، الفعل الذي نقوم به الآن ، ربما سيجعل صورة المشهد أوضح لديهم ، ويفهمون المغزى من وجودنا هنا .

الثاني : ربما يكون الجمهور من ثقافة تختلف ، أو من قارة بعيدة ، أو حتى من كوكب آخر ، سيدي ، ماذا لو كان الجمهور كائنات فضائية من مجرة أخرى ، أو كون مجاور ؟

الأول : لا شيء مؤكد في صالة الجمهور ، ولا حتى هنا على خشبة المسرح .

الثاني : ( لحظة صمت ) ولكن ! هذا أنا ، هنا ، الآن . وهذا أنت ، هنا ، الآن ، هذا هو الشيء الوحيد المؤكد الآن .

الأول : ( لحظة صمت ) ومن نحن ، ما ماضينا ، ما حاضرنا . مجرد كائنات لا محددة ، وجدنا أنفسنا وجها لوجه مع بعضنا ، ومع الجمهور ، بلا تخطيط مسبق منا .

( يشتبكان في حركة جسد واحدة ، تحت بقعة الضوء )

الثاني : ( يهمس للأول ) لا استطيع أن أدرك بأي أسلوب يجب أن نفكر !

الأول : إنها المحاولة ، المحاولة فقط للبقاء على قيد الحياة ، فوق خشبة المسرح .

الثاني : ولكننا غير قادرين على فهم ومعرفة ، تفاصيل الحكاية هنا  ؟

الأول : في البدء ، دعنا نتفق كلينا ، أن ما يجري الان ، هو عرضنا نحن .

الثاني : عرضنا !

الأول : نعم، يجب أن نفترض أن الجمهور الذي حولنا ، لا يعرف الحكاية أيضا ، فهو لم يشاهدنا سابقا.

الثاني : هل أفهم أننا نحن من يجب أن يختار الحكاية ؟

الأول : نعم ، ونحن من يختار شكل شخوصها ، واماكنها ، والاحداث التي فيها .

الثاني : ممتاز جدا ، بداية أكثر من رائعة ، حتما ستكون خياراتنا في بناء تفاصيل الحكاية كبيرة .

الأول : من قال ذلك ؟

الثاني : أنت قلت ذلك الآن !

الأول : خياراتنا ليست بهذا الحجم ابدا ، نحن محكومون بالآخرين ، فعيون الجمهور سلطة علينا ، وأذواقهم هي الأخرى سلطة علينا ، بل حتى ردود أفعالهم سلطة تتحكم فينا .

الثاني : ولماذا قد تتحكم فينا سلطتهم ، وكل الحكاية بين أيدينا ، نحن من يرويها على الخشبة ؟

 الأول : حكاياتنا ليست ملكنا ، هذا وهم كبير ، إنهم حولنا ، يفرضون علينا حدود الحكايات ، ويشكلون تفاصيل ما لا يجب أن يقال ، والممنوع والمحرم والعيب فيها . ويتدخلون في طقوس ما نمارسه  فيها ، وشتى التفاصيل .

الثاني : ولكن الجمهور في الصالة ، يجلسون هناك بصمت ، عيونهم فقط هي التي ترمش  !

الأول : ظاهر الامر أننا نملك كل الحكاية على الخشبة ، ولكن باطنها ، هم من يكتبون الحكاية ، حتى النهاية !

( الثاني ، يهم بالخروج )

الأول : ماذا تفعل !

الثاني : لا أرغب في إكمال هذا العرض المسرحي الساذج .

الأول : سيتلبسك العار اذا لم تكمل عرضك المسرحي ، نحن جميعا لا نستطيع أن نغادر قبل أن نكمل حكايانا ، هكذا تكون قوانين اللعب .

الثاني : ولكنها ليست حكايانا ، فأنت تقول أنهم يتحكمون في كل التفاصيل فيها .

الأول : لا خيار أمامنا سوى مواصلة العرض أمام عيونهم .

( يدوران مثل المغزل ، على يمين وشمال المسرح )

الأول : ( بصوت عال ) حزني عليك وانت تقود خطاك بعيدا .

الثاني : ( بصوت عال ) حزني عليك وانت تحاول فك الاحجية .

الأول : لا مبرر لمقاومة حركة الأشياء ، إنها تدور وتدور ، دون توقف .

الثاني :  لا بد من أن يقوم أحدنا ، بوضع العصا في الدولاب ، ليتوقف كل هذا الدوران الفاحش .

( يسقط الأول والثاني على الأرض  )

الأول : الحكاية قد بدأت !

الثاني : الكارثة قد بدأت !

الأول : لا خيار لنا في ذلك .

الثاني : ماذا لو حاولنا أن نبدأها من جديد .

الأول : لقد فات على البداية الكثير ، كثير جدا . كيف نعود للحظة ما قبل العرض من جديد !

الثاني : ( يقف أمام الجمهور ) بسيطة ، ننهي هذا العرض الباهت .

الأول : هل تريد منا أن نقدم على الانتحار ، نقتل انفسنا في وسط العرض !

الثاني : كلا ، بل نصنع بداية جديدة .

الأول : هل تعتقد أن ذلك ممكن ؟

الثاني : نعم ، سنصنع لنا بداية خاصة بنا .

الأول : كيف ذلك ؟

الثاني : سنغلق الستارة .

الأول : ماذا !

الثاني : تعال معي تحرك ، سنغلق هذه الستارة ، ونقدم عرضنا المسرحي ، بستار مغلق .

( الأول والثاني يغلقان الستارة ، ويواصلان عرضهما المسرحي )

  • ستار –

تركيا – سامسون

30/5/2020