مجموع الضدين متوحد في ثالث ، قراءة بحثيه في نص (أزيز)

بقلم /حسام الدين مسعد – مصر

««««««««««««««««««»»»

إن المنطق الجدلي يري التناقضات كتعاضديات مثمرة للأفكار ، يمكن من خلالها الوصول الي حقيقة أعلي عن «طريق الجمعية» والجمعية هي إتحاد فكرتين متناقضتين ظاهريا او إتحاد الفكرة والفكرة المضادة في كل موحد . هذا ما اشتغل عليه عمار نعمه جابر في نصه (أزيز )بين فكرتين متضادتين هما “الفعلي” و”المثالي” .

بين (النسخة المثالية من ذاتك ، التي تنشأ من تجارب الحياة )وبين (الواجب او ما يشعر الشخص بأنه ينبغي ان يكونه او يصبح عليه ) وحين نستشهد علي ذلك من نص (ازيز) فأنه يتجلي لنا في هذا المقطع :

[الاول : ماذا دهاك ! هيا تكلم بسرعة .

الثاني : يا سيدي أنا لا أعرف أصلا ، ما لذي جاء بي الى هنا ، أنا لا ادري كيف وصلت هنا !

الاول : هل جننت ، الا ترى ، نحن كلانا ، أنا وأنت ، نشترك في عرض مسرحي واحد، وقد بدأ الان !

الثاني : أقسم لك أنني لم أعرف ذلك الا منك الآن .

الاول : يا الهي ! من المؤكد أنك فقدت عقلك ، لا تقف هكذا قل أي شيء .

الثاني : افهمني ارجوك ، أنا فتحت عيني الان ، ووجدتك في وجهي ، لا اعرف من أنا ، ولا من أين جئت ، فجأة وجدت نفسي هنا .

الاول : يجب عليك الان أن تبدأ العرض فورا ، الجمهور ينتظر .

الثاني : ، أنا لست على ما يرام يا سيدي ، أنا لا استوعب ما هو الموضوع الذي حُشرت فيه هنا ، ومن حشرني ، ولماذا ؟

الاول : حاول فقط ان تملأ مكانك ، املأ المكان بالفعل ، افعل أي شيء يخطر في بالك . ]

نري ان شخصية الأول هي النسخة المثالية التي تنشأ من تجارب الحياة ، اما شخصية الثاني هو ما يشعر الشخص بأنه ينبغي ان يكون او يصبح عليه لكي يكون !

لقد اختار الكاتب عمار نعمه جابر بالسماح لشخصياته بالتفسير ، ذلك أن الأزمات التي تعيشها هي مرآة لأزمات المجتمع ، ومن خلال التناقض الذي يتضح كلما حاولنا تفسير السلوك الإنساني ، في التنظيمات المختلفة وإعتبار هذا التفسير هو مقدمة للتنبؤ بالسلوك الإنساني والتحكم فيه . إن شخصيتي الأول والثاني في النص ، تعبر عن الشخصية الإنسانية الكلية ، التي ترتبط مع بعضها الآن ، لأن كلا منهما يستخدم الآخر لضمان البقاء ! فالشخصية الإنسانية تعكس طاقات الإنسان الحيوية ، و مصدرها هو الحاجات الإنسانية التي يسعي الفرد لإشباعها .

لكن هذا النص يخلق ديالكتيك بين الذات المثالية والذات الواجبة  . فالذات المثالية تعتبر تمثيلا للسمات التي يرغب شخص ما (انت او شخص آخر ) في ان تمتلكها انت ، اي تمثيل لآمال وتطلعات او رغبات شخص ، فيما يتعلق بك ، وهو ما يتجلى في شخصية (الأول)في نص أزيز الذي له تطلعات بأن يكون( الثاني ) شخص مثالي من خلال تحفيزه علي التغيير والتحسين والإنجاز  ، أما الذات الواجبة ، تعتبر تمثيلا للسمات التي يعتقد شخص ما (انت او شخص آخر ) انك يجب ان تمتلكها ، اي أنها تمثيل لإحساس شخص ما بواجبك او التزاماتك او مسؤولياتك.

إن التناقض الذي اشتغل عليه عمار نعمه جابر بين مفهوم الذات الذاتي ومفهوم الذات الآخر بوصفه ازمة هويه تتجلي من لحظة الوجود الإنساني كما وردت في هذا المقطع من النص :

[الاول : حسنا ، لقد فتحت الستارة قبل قليل ، إنها بداية الحكاية  .

الثاني : البداية ، حسنا ( يبدأ بالبكاء بصوت واطئ ، ثم يرفع صوته شيئا فشيئا ، حتى يصبح صراخا )

الاول : ( يهمس مع الثاني ) لا تتوقف عن الحركة والايماءات ، واصل العرض ، لا يجب أن يهبط إيقاع عرضك المسرحي ( يلتصق بالثاني ) نعم ، أنا مثلك تماما .

( الأول والثاني ، يتحركان في المكان بحركة تعبيرية تشير الى مواصلتهم الحياة )

الثاني : ( يهمس مع الأول ) ومتى جئت الى هنا ؟

الأول : جئت قبلك ببرهة فقط ، وأنا مثلك تماما ، لا اعرف ما لذي يحدث هنا .

الثاني : اذن ، لماذا تطلب مني أن اقول حواري ؟

الاول : وجدتنا كلينا نقف هنا ، على هذا المسرح ، فتوقعت أننا ممثلين في عرض مسرحي . وحين شاهدت الستارة ترتفع ، ورأيت الجمهور من حولنا ، عرفت فورا انه ينتظر أن نؤدي دورنا أمامه .

الثاني : ولماذا نحن بالذات !

الأول : صدقني ، لا أدري .

الثاني : ماذا يراد منا ، ما هو دورنا هنا ، على هذه الخشبة الخاوية ؟] إن عمار نعمه جابر يطرح تسأولات هامه عن اهمية الدور الإنساني في الوجود البشري والذي هو التناقض بين الدلائل الذاتيه بالمشاعر المرتبطه بالإستياء من عدم تحديد الأهداف وبين خيبة الأمل في تحقيق نتائج إيجابيه تحقق الرغبات الشخصيه.

[الاول : لا نملك خيارات اخرى في اللغة ، نحاول ان نقرب لهم الامر ، الفعل الذي نقوم به الآن ، ربما سيجعل صورة المشهد أوضح لديهم ، ويفهمون المغزى من وجودنا هنا .

الأول : لا شيء مؤكد في صالة الجمهور ، ولا حتى هنا على خشبة المسرح .

الثاني : ( لحظة صمت ) ولكن ! هذا أنا ، هنا ، الآن . وهذا أنت ، هنا ، الآن ، هذا هو الشيء الوحيد المؤكد الآن .]

ثم يؤكد عمار على ان الوجود المؤكد ، هو الوجود المادي الملموس ، الذي تجلي في المقطع السابق ، علي لسان (الثاني) ثم يذهب سريعا الي حالة التشكيك او الافتقار المتصور ، للفاعلية او تحقيق الذات في هذا المقطع من النص :

[الأول : ( لحظة صمت ) ومن نحن ، ما ماضينا ، ما حاضرنا . مجرد كائنات لا محددة ، وجدنا أنفسنا وجها لوجه مع بعضنا ، ومع الجمهور ، بلا تخطيط مسبق منا .

( يشتبكان في حركة جسد واحدة ، تحت بقعة الضوء )

الثاني : ( يهمس للأول ) لا استطيع أن أدرك بأي أسلوب يجب أن نفكر !

الأول : إنها المحاولة ، المحاولة فقط للبقاء على قيد الحياة ، فوق خشبة المسرح .

الثاني : ولكننا

( الثاني ، يهم بالخروج )

الأول : ماذا تفعل !

الثاني : لا أرغب في إكمال هذا العرض المسرحي الساذج .

الأول : سيتلبسك العار اذا لم تكمل عرضك المسرحي ، نحن جميعا لا نستطيع أن نغادر قبل أن نكمل حكايانا ، هكذا تكون قوانين اللعب .

الثاني : ولكنها ليست حكايانا ، فأنت تقول أنهم يتحكمون في كل التفاصيل فيها .

الأول : لا خيار أمامنا سوى مواصلة العرض أمام عيونهم . ]

ومن خلال المقطع السابق ، نري انه لا تتطابق رؤية الشخص لسماته الفعلية ، مع السمات المثالية التي يرغب الشخص الآخر (الثاني)في وجودها في (الأول) ، ويتسم الدليل الذاتي المثالي بغياب النتائج الإيجابية المصاحبة للمشاعر . والافتقار الى الثقة بالذات ، وفقدان الشعور بالاهتمام بالأشياء ، مع هذا التناقض الناجم عن فقدان متوقع لعدم التقدير والذي يتجلى في المقطع التالي من النص :

[( يدوران مثل المغزل ، على يمين وشمال المسرح )

الأول : ( بصوت عال ) حزني عليك وانت تقود خطاك بعيدا .

الثاني : ( بصوت عال ) حزني عليك وانت تحاول فك الاحجية .

الأول : لا مبرر لمقاومة حركة الأشياء ، إنها تدور وتدور ، دون توقف .]

لكن« عمار » بعد ان جعلنا نبحث من خلال تفسير شخصياته فكرة التناقض الذاتي ، ومحاولة مقارنة الأفراد لذاتهم الفعلية بالمعايير الداخلية او الذات المثالية الواجبة . أراد الكاتب ان يوحد الضدين في ثالث حداثي او ما بعد حداثي من خلال تقويض الثقافة الغربية ، التي جلبت لنا فن المسرح ، كما يزعم المستشرقون ، فعمار ينبش في هويتنا العربية المسرحية ، محفزا عشاقه بوضع العصا في الدولاب ، ليتوقف هذا الدوران الفاحش ! الذي تديره المؤسسات الثقافية المالكة الخطاب والقوة والمعرفة ، فالكارثة بدأت ، ويجب ان تدار ازمتها بعقلانية ومنطقية ، يجب ان ننهي هذا العرض الباهت ، ولنبدأ من جديد ! حتي لو اضطررنا الي غلق الستارة ، والتمثيل خلفها …يتجلى كل ذلك في هذا المقطع الرائع من النص :

[الثاني : لا بد من أن يقوم أحدنا ، بوضع العصا في الدولاب ، ليتوقف كل هذا الدوران الفاحش .

( يسقط الأول والثاني على الأرض )

الأول : الحكاية قد بدأت !

الثاني : الكارثة قد بدأت !

الأول : لا خيار لنا في ذلك .

الثاني : ماذا لو حاولنا أن نبدأها من جديد .

الأول : لقد فات على البداية الكثير ، كثير جدا . كيف نعود للحظة ما قبل العرض من جديد !

الثاني : ( يقف أمام الجمهور ) بسيطة ، ننهي هذا العرض الباهت .

الأول : هل تريد منا أن نقدم على الانتحار ، نقتل انفسنا في وسط العرض !

الثاني : كلا ، بل نصنع بداية جديدة .

الأول : هل تعتقد أن ذلك ممكن ؟

الثاني : نعم ، سنصنع لنا بداية خاصة بنا .

الأول : كيف ذلك ؟

الثاني : سنغلق الستارة .

الأول : ماذا !

الثاني : تعال معي تحرك ، سنغلق هذه الستارة ، ونقدم عرضنا المسرحي ، بستار مغلق .

( الأول والثاني يغلقان الستارة ، ويواصلان عرضهما المسرحي ) ]

إن التناقض الذي اشتغل عليه عمار نعمه جابر ، هو تناقض اساسي بين متطلبات الشخصية النامية ، وبين خصائص التنظيم الرسمي ، فالفرد يميل للتكيف مع الأوضاع التي يفرضها عليه التنظيم الرسمي ، ولذا كانت صرخة نصه «ازيز» شكوى للتناقض الذاتي ، الذي أصاب الأفراد والمجتمعات العربية ، بشعور خيبة الأمل ، وعدم تحقيق الأهداف ، وبالتالي فقدان الهوية  الثقافية ، او اعتبارها هجين تم انبثاقه من الثقافة الغربية !