الدكتور : طالب هاشم بدن

يعد إختيار المؤلف الدرامي المتألق عمار نعمة جابر إلى إطلاق تسمية مسرحيته (كايميرا) عنواناً لما يريد تجسيده كباعثٍ دلالي مهم على سعة ثقافة وإطلاع يتحلى بها كاتبنا الدرامي ، وقدرته على إنتاج نصوص درامية تواكب مرحلة التطور والنضوج الابداعي الفكري الذي يبرهن على إن ملكة الكتابة في النص الدرامي قادرة على خلق فهم واسع ومحسوس في الموجودات ، إذ إن تسمية كايميرا إستواحها الكاتب عن حيوان أسطوري عند اليونان كان يمثل جسد تركب من أسد وماعز وأفعى بتشكيلٍ صوري واحد ، وهي تركيبة غريبة يراد منها غرائبية ذلك الشكل وصعوبة تمازجه ، أسقطها على شخصية حداثوية. من هذه الغرائبية إختار المؤلف فكرة مسرحيته التي تصور إمرأة تعيش حالة من الاختلال في التوازن وتعيش ضمن إزدواجية شتاء بارد وصيف لاهب ، يمثل نصفي جسدها وينعكس على ما تمارسه في حياتها ، إذ إنها تبكي وتنعى في المآتم في حالة من الهستيرية وربما تجسد دور ( الملاّية ) وهي تجيد إداء القارئات ، وفي لحظة مباغتة سرعان ما تنمسخ ليلاً إلى عاهر ماجنة تمارس الخلاعة والمجون . في تلك الحال نرى إن المرأة وكأنها نصفين منفصلين لكن الانفصال هنا في الفعل السايكولوجي البشري لا الجسماني كما في كايميرا التي تتوضح صورتها الخارجية للعيان ، هذا التركيب يعبر عنه الكاتب في نزع السواد وإتشاح المرأة بألوانٍ زاهية صارخة شبه عارية وهي تستبدل النعي بضحك وغناء وهي إنتقالة في زمكانية الحدث إلى ملهى ليلي راقص ، وهكذا تتكون شخصية المرأة من نصفين ( تقوى وعهر ) . يريد الكاتب أن يعري المجتمع ويرنا وجهه الفاضح وهي محاولة لتسليط الضوء على قضية المجتمع الذكوري وتسلّطه على المرأة وهيمنة الرجل على الاحكام والمواقف حتى يكون الحكم على تلك المرأة وفعلها عند إرتكابها جرماً مع الرجل مع الاحتفاظ بحق الرجل دون النظر إلى مشاعر وكينونة تلك المرأة . يتجلى ذلك عندما تروي المرأة حادثة وجودها مع شاب في الجامعة بينما هما يتبادلان القبل ما إن شاهدوا تلك الحالة حتى قاموا بفصلها وأبقوا على الشاب وأكمل تعليمه بوصف إن الذكورية لها سلطة مطلقة . من خلال مونودراما مسرحية ( كايميرا ) نرى إن المؤلف حانق على نظرة المجتمع وتقويض حرية المرأة التي يقابلها إستبداد الرجل وهي النظرة القبلية التي يرجعنا من خلالها إلى عدة مسائل منها (الوئد) التي كان يمارسها العرب في زمن الجاهلية وهي محاولة مقارنة الماضي بالحاضر وما توصل إليه العالم من تكنولوجيا وثقافة من الضرورة التفكير الجاد بتطبيقها في زمننا الحاضر ، لكن المجتمع ما زال يمارس تغييب الادوار ومصادرة الحقوق إذ لا صوت غير صوت القوة ولا حقوق غير الذي يريده الاقوى في زمنٍ إمتزج فيه الخداع والكذب ولم يكن للحق والدين صوت ، فكلاهما يرزح في تناقض كبير يمارسه كبار القوم دون خجل ولا رادع لهم . ويبدو صراع النفس يتجلى في الفعل الحركي الذي تعبر عنه المرأة يتفاقم في شخصيتها وهي تعاني خداع الحياة وإنكسارات متعددة عند إقترانها بشاب متلون سرعان ما إنفصل عنها بعد أن عرف إنها عاقر ، وتخبرنا المرأة في حوار إن زوجها تنقل في إختيار عدة زوجات إلا إنه هو العاقر ولم ينجب له طفل قط ، وهي إنتقالة يحاول من خلالها الكاتب تعرية الواقع الذي وجد على ركام من التناقضات داخل النفس البشرية والعيش في كذبة يختفي خلفها جسد كاذب دون الشعور بالرأفة والعطف على إمرأة تصارع الزمن وتعيش وحيدة ضعيفة . ذلك عزز من صيرورة وتحول إزدواجية شخصية المرأة ضمن المسرحية ومحاولة رسم فنتازيا إبداعية خارجة عن المألوف في شخصية تعالج قضايا عصرية واقعية في مجتمع يعيش تقلبات وتعثرات عدة ، وهي ثورة عارمة ضد الفساد ورفض مغريات تشدقت بها ألسن تلهث خلف لعاب الزمن ، وهي رسالة مفادها إن لكل مكان لونه الذي يليق به ..