“قاع”عندما يتحول العالم إلى تابوت مريض – محمد جميل خضر

رسالة أساسية بثتها مسرحية “قاع” التي قدمتها أول من أمس الجامعة الأردنية على مدرج الحسن بن طلال فيها ضمن فعاليات “مهرجان فيلادلفيا الثامن للمسرح الجامعي العربي”.

وتتلخص تلك الرسالة التي فجرها إبداعا طلبة من تخصصات علمية وإنسانية مختلفة, بأن الهواية لا تقل شأنا عن الاحتراف إذا تصاحبت مع مثابرة مخلصة وحُملت من خلال عمل دؤوب وأحيطت أخيرا برعاية واعية مدركة لأهمية الثقافة والفن في مسيرة الشعوب وتقدمها.

وعن نص للكاتب العراقي عمار نعمة جابر أدت فرقة المسرح الجامعي في عمادة شؤون طلبة “الأردنية” بإشراف المايسترو محمد واصف, العرض الذي أخرجه ثامر خوالدة طالب الهندسة المدنية في الجامعة ومثّل فيه إلى جوار طلبة آخرين من تخصصات مختلفة: عطية المحاميد (علم حاسوب), مينا العوالي (إدارة اعمال), نورا حسن (أدب انجليزي), آلاء حماد (تصميم), هشام رضا (إسباني- إنجليزي), لور رابية (اقتصاد), نور إبراهيم (إنجليزي تطبيقي), حسام الدين زين العابدين (هندسة صناعية) وخالد عبد الله (طب).

وحتى أزياء العمل ومكياجه صممها ونفذها طلبة: الأزياء لطالبة الإنجليزي التطبيقي بيسان المعاني والمكياج للطالبتين نور إبراهيم ولور رابية اللتين شاركتا إلى ذلك في التمثيل.

وعبر خمسة توابيت نصبت عموديا ووزعت في مختلف جهات الخشبة بطريقة متوازنة, كشف خوالدة عن حسٍ سينوغرافي واعد وأسس من خلال خلق مستويين تعبيريين فوقها مقولته الجمالية والأخلاقية في العرض الذي كشف عن طاقات تمثيلية لافتة.

وفي غرفة حجر صحي لمرضى مصابين بالجرب دارت حكاية العرض الذي حضره رئيس الجامعة الأردنية د. خالد الكركي ونائبه للشؤون الإدارية د. صلاح جرار وجمهور من المعنيين وضيوف المهرجان بلغ زهاء 400 شخص، وتصاعدت مفاصله الدرامية, لتتسع غرفة الحجر فتصير وطنا بل أوطانا غارقة في الخراب يأكلها الجرب ويقتلها التذكر بالقدر نفسه الذي يقتلها فيه النسيان.

وعاين المخرج بوعي لافت تغيرات الزمن على وجوه المرضى المحجور عليهم وعلى نفسياتهم ودرجة إحساسهم بالزمان والمكان.

وفي مسعى للوصول إلى حالة من التصالح مع الحياة والواقع بكل مراراته، طلع صوت الجد الذي ظل مصلوبا في تابوته الواقف طيلة مدة عرض المسرحية (40 دقيقة), وأدى دوره باقتدار الطالب هشام رضا, يقول الجد في واحد من مداخلاته “بقعٌ، ليست أكثر من كونها بقعا, لم تكن جربا أبدا, من الشمس, من الزمن ومن الوحدة القاتلة”.

وفي الوقت الذي ظلت واحدة من المرضى ترى الأشياء من خلال جدها وتنتظر قيامته من جديد, وفي الوقت الذي ظل واحد من المرضى يرى الأشياء من خلال طبق الطعام وكان يخشى أن يموت من الجرب جائعا, فإن التدخلات الدرامية التي قادها خوالدة من جهة الجمهور (كسر الجدار الرابع) كانت غير نمطية واحتشدت بحيوية ولفتات كوميدية معبرة, وحملت إلى ذلك خصوصية يمكن أن يبني عليها المخرج الذي وإن كان حظي بإشراف واعٍ ومدروس من قبل واصف ومعالجات إضاءة فذة من قبل مصمم الإضاءة عادل الشريف, إلا أن بصمته الخاصة كانت واضحة في مختلف مراحل العرض الذي تفاعل معه الجمهور كثيرا.

وكان الانتظار نجما آخر من نجوم مسرحية الجامعة الأردنية “جدي لم يكن ينتظر أحدا أنا من ينتظر جدي”.

كان موتا خشبيا فوق منصة العرض. موت عاجز عن مواجهة الواقع, وحتى عندما انفتح باب الحجر فجأة فإن القابعين أسرى لعنة القدر قرروا ألا يستفيدوا من بصيص حرية لاح في الأفق وعادوا إلى توابيتهم طائعين, وحده الجد خرج من تابوته ومضى خارج كل شيء.