- كايميرا ( chimera ) : حيوان اسطوري يوناني يتشكل جسده من أجساد ، اسد وماعز وأفعى ، في جسد واحد .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(عمود يتوسط مقدمة المسرح ، باب وشباك معلقان ، كبيران ومفتوحان ، يمتدان من العمود الى الكواليس ، باب وشباك يمين العمود ، وباب وشباك شمال العمود ، يشكلان رأس مثلث يغطي كامل الخشبة ..
امرأة في منتصف الثلاثينات من العمر ، تقف خلف العمود في وسط المسرح ، نشاهد ظلها يظهر مرة على اليمين ، ويظهر مرة أخرى على الشمال )
المراة : ( تتحدث وهي تختفي خلف العمود ) الشتاء لا يأتي بالبرد ، بل حين ينزل البرد ، يأتي الشتاء .. مايمكن ان نخاف منه ، هو من يصنع الحدود لنا ، والتي تحكمنا من الداخل ، ومن الخارج .. فالشتاء مخيف ( تمد يدها من الشباك الشمالي ، ويدها ترتدي ثوب اسود ، وقفازين اسودين ) نهاره تتلبد بغيوم قاتلة ، وليله طويل وموحش ، تستعر عليك أظلاعك من شدة الصقيع ، فتضعف ، وتتكور .. وتلتف على روحك لتدفئها ، ولكن هذا البرد قد حول العالم فيك ، الى صندوق مغلق ، مغلق جدا ، مغلق من الجمود والانطواء ، ومن السبات المميت .. ( تسحب يدها لتختفي ) أما الصيف فلذيذ كطعم الخوخ ، ترف وناعم ( تمد قدمها ، فيظهر لنا فخذها العاري من الباب في الجهة الاخرى ، يمين المسرح ) فالصيف يكون لاهبا ، حارا ، يكويك من الداخل بعنف ، ترتجف معها اوصالك ، فتنتشي حد الثمالة ، وتتأوه من اعمق نقطة فيك .. فكما الشتاء هو جزءا مني ، فالصيف اللاذع هو مذاق آخر ، لمن يريد أن يتذوقني .. ( تحرك ساقها ) آهاتي لا يفهمها غيري حين ألتهب .. فأرقص بلا احتشام ، أمام غرائز أشعلت عيون اصحابها من وهج جسدي .. هذا اللهب الداخلي الذي يسكنني ، يجعل كل داخلي يغلي ، ويتقافز ، ويتراقص ، ويميل في كل الاتجاهات .. دون أن أكترث لكل هذه الارواح اللاهثة حولي ..
( تخفي قدمها العارية من اليمين ، وتظهر يدها بكفها الاسود من الشمال )
المرأة : كان شتائي الاسود ، يمثل جزءا من داخلي ، كنت أقترح أن أبدده بما يناسبه ، وليس أنسب من النواعي لهذا السواد المبالغ فيه ، النواعي على من ماتوا ، وعلى من بقي من أهلهم ، فكنت ابكي بحرقة معهم .. فالنواعي أسلوبي في الوقوف في وجه كل هذا العالم الاسود الذي يعيش في داخلي ، وكل هذا الصقيع الذي يغطي أجزاءا شاسعة مني ، فما لهذا الشتاء الذي يجمد مشاعري ، سوى أبيات من النعي المعتق ، أنين من أعمق نقطة في روحي ، بكاء بالكلمات ، وبالفعل ، فالنعي رشفة صبر ، تمرق في قلبي لتعينه على احتمال الأسى ، واحتمال هذي الحياة بكل تفاصيلها .. فحين أذهب نحو بيت العزاء ، أصرخ في وجوه المعزيات ، أصرخ من داخلي ، أدفع بهن الى الحزن بجنون ، فتهيج فيهن الدموع ، وترتفع أكفهن بقوة لتلطم الصدور ، ليوحدن نغمة النواعي ، ويركبن معي نوتة الحزن ، فتشتعل صورا كثيرة ، تكون غاية في الالم حول من رحلوا ، ومن قد يرحلون لاحقا .. في النعي يشتعل الشتاء الكئيب في روحي وفي كل قطعة من جسدي ، فتتقاطر الابيات لاهبة ، تشعل اجساد المعزيات ، فيحدث أن يتقافزن في الملطم ، وتدور اجسادهن المتألمة من ضرب الصدور والوجود بقوة ، تدور في حلقة الملطم في كتلة واحدة ، تفوح منها أصوات تشبه صرخات العواء الموجوع.
( تخفي يدها الظاهرة من الشباك ، وتخرج المرأة من الباب بزيها المحتشم من الاعلى ، غطاء الرأس والبرقع وشال اسود كبير ، وزيها الفاضح من الاسفل ، بالسيروال القصير جدا ، وسيقانها العارية ، وبالوشم على افخاذها وسيقانها ، وبحذائها العالي اللماع )
المرأة : بين صيف حار لاهب مشتعل ( تشير الى الجزء الأسفل من جسدها ) وشتاء قارص متجمد كئيب ( تشير الى الجزء الاعلى من جسدها ) توزع جسدي المسكين ، وانشطرت معه روحي التي لا تكتفي بفصل واحد ، ولا بهيئة واحدة .. أنا إمرأة مختلفة ، هكذا أفهم نفسي ، وهكذا ابرر ما أقوم به ، سواء كان ذلك هو النعي والمآتم واللطم والبكاء نهارا ، أو كان هو الغناء والرقص والسكر والمجون ليلا ، كلاهما أنا ، كلاهما يمثلني وأمثله ، ففي داخلي يمتزج جليد الشتاء مع لهيب الصيف ، في تشكيلة خاصة جدا ، ( تتحرك الى الجهة الآخرى ) ففي النهار أمارس النعي في المآتم ، بنصفي الأول ، صادقة حقيقية ، أبكي مع المعزيات بحرقة وبامتزاج كبير ، أنشدهن أبيات النعي المؤثرة ، وأشد الملطم لكي يصل الى ذروة الهياج ، والصراخ واللطم والبكاء ، انهك من فيه لشدة الانفعال ، فالنعي أداتي التي أجيدها منذ شبابي ، تعرفت اليها منذ زمن بعيد ، أعرفها عن قرب وأعرف أسرارها ، واجيدها كثيرا .. ( تتحرك الى الجهة الاخرى ) أما حين يجيء المساء ، فأنا أمرأة أخرى ، أمارس نصفي الثاني ، ابدل الاسود بالالوان الصارخة ، وابدل الملابس بشبه العري ، وابدل البكاء والنعي الى ضحك ومجون وغناء ، وابدل مكان العزاء لأقيم في الملاهي الليلية أينما وجدت ، ( تتحرك ) أدخل الملهى بعد صلاة العشاء ، ولا أخرج منه الا قبل صلاة الفجر ، أشعل الملهى بالضحك والرقص والخمر والغناء ، فيتحول كل عالمي الى أضواء ترقص ، وأجساد تتعرق ، ورائحة الشهوة تمتزج مع روائح تشكيلات الخمر..( ترقص مع الموسيقى ) أمارس نصفي الآخر بجودة قد توازي ، أو تتفوق على جودة نصفي الأول ، فالملهى لعبتي وخبرتي وانتمائي ، أعرف كيف أخوض غمار السكارى والعاهرات ، وأفرز أنواع الخمر الجيد عن ذاك المغشوش ، وأميز بدقة عالية بين تلك العاهرة الساخنة ، وهذه الباردة ، أعرف جيدا أي نوع من الموسيقى تشتهيها أجساد السكارى والعاهرات ، وأي كلمات تلهبهم بقوة ، فيدفعون كل ما في جيوبهم على الجسد الذي يتلوى أمامهم ، وهو شبه عاري ..
( تقف الموسيقى ، وتقف المرأة وهي تسند ظهرها الى العمود في وسط المسرح )
المرأة : هكذا أنا ، أبرر التقوى ، وأبرر العهر ، فكلاهما له اسبابه ودوافعه ، وكلاهما يقومان حياتي لكي استمتع بها بقوة وبصدق ، بهذه التشكيلة ، أكون أنا بنصفين ، وفصلين ، ولونين .. هذه أنا .. ( تتبدل الاضاءة ، فتظهر أرجوحة في يسار مقدمة المسرح ، تذهب المرأة لتجلس عليها ) كان أبي شخص غاية في الطهر والسكينة والهدوء ، شخص رائع جدا ، مبتسم دائما ، لا يعاني من أي عقد نفسية ، لم تكن لديه أيه مشكلة مع الاخرين ، كنت أحبه جدا ، أحب شخصيته ، واحب نمط الشخصية التي كان يرتديها ( تتحرك ) كان يظهر أمام الجميع غاية في الهدوء والسكينة ، شخص كيس ثقيل ، كل شيء لديه بمقدار ، الكلمات ، النظرات ، الحركات .. لا يوجد لديه ماهو زائد ، تشعر أنه قد نظم كل شيء بدقة .. ولكنه من الداخل كان يغلي ، كان صاخبا ، كان مشتتا ومبعثرا بشكل لا يصدق ، ( تقوم من الارجوحة ) كان يأخذني الى حديقة المنزل من يدي ، لنجلس فيها لوحدنا ، ليتطهر من الثوب الخارجي الذي يرتديه ، ويرتدي ثوبه الداخلي ، ثوبه العميق والمؤثر ، كان يتحدث معي طويلا ، يربكني لكل ما يحدثني عنه بصراحة ، كان شخصا آخر ، يحب أشياء تختلف عنه ، ويكره أشياء يمارسها كل يوم ، يعرف من الحياة أنها لايجب أن تكون بكل هذه الجدية والكياسة والثقل ، بل يجب أن يبقى المرء فيها طفلا صغيرا ، يبقى ليمارس اللعب ، والرقص ، والاخطاء ، واللامعقول من الافعال والاقوال .. أبي كان يريد أن يبقى طفلا ، ليبرر كل الاخطاء بطريقة الاطفال ، ويحلل كل الحكايات ويفهمها بطريقة الاطفال ، كان يقول لي .. لا ينبغي للمرء أن يصبح كبيرا وبالغا ، بل يجب عليه أن يحتفظ في زاوية من زوايا روحه ، على ذاك الطفل الصغير المتمرد ، كي ينعم بالحياة الحقيقية والصادقة .. كان يكرر القول لي دائما .. الكبار جلهم مزيفون ، أما الاطفال فكلهم أصفى وأنقى من الماء الزلال ( تتحرك ) شخصية أبي الطفولية والمتمردة لم يكن يراها أحد غيري ، كنت أنا الوحيدة التي أراه يرتديها ، كنت أرى عينيه تشع بالفرح والحب ، وروحه خفيفة تحلق مع الهواء كفراشة ، وكلماته لها لحن طفولي مشرق وجميل .. كانت هذه الشخصية سرنا الصغير أنا وأبي ، لم يلتقي هذه الشخصية غيري ، ولم يتعرف عليها سواي .. مرير أنني فارقتها منذ زمن بعيد ، مرير أنني أحاول أن أفهم الحياة بعيون أبي ، لكنني أفشل ، فالطفلة التي كانت تعيش بداخلي أصابها العطب ، وزحفت نحوها الشيخوخة والذبول ( تتحرك ) دائما ما أدعوها كي تحضر ، لكي تمنحني شعور بالطيران بحرية ، وأن لا تتركني أزحف بما يثقلني من هموم الكبار ، وأحزانهم الثقيلة كالجبال على ظهري ، لكنها لا ترضى أن تحضر وتنقذني ، لقد حاولت كثيرا أن أكون مثل ابي ، قادرة على الاحتفاظ بروح الطفولة في داخلي ، لكن ذلك لم يحدث ، فالعالم الآن صار أشد وحشة وأكثر قدرة على سلب المرء لخصوصيته ، فكل الاشياء التي كان يراد منها أن تجعل حياتنا سهلة ومستقيمة ، كانت هي نفسها سببا رئيسيا في كسر المرايا الصافية في داخلنا ، صارت هي السبب في تحويل دواخلنا من التعلق بالمشاعر والاحاسيس والشعر والجمال والفراشات والرقصات والاغنيات ، لتتحول شيئا فشيئا الى كومة من الاطماع والجشع وحب المادة والسلطة والمظاهر الخادعة والصعود على حساب الاخرين واستغلالهم ، فصار أن فقدنا أكبر قيمة في جودنا الانساني ، كما يقول أبي .. ( تتغير الاضاءة ، فتظهر محطة انتظار في يمين المسرح .. تذهب المرأة لتجلس على المصطبة ) تركني أبي وغادر وأنا في عمر العشرين ، ركب القطار الذي يأخذ الناس ، الى حيث لا يعودون أبدا .. لقد راح بنفس الاتجاه الذي ذهبت فيه أمي ، حين كنت في الخامسة من عمري ، فصرت أشد وحدة ، من جذر غضى ، وحيد ويابس ، في صحراء مترامية الاطراف ، وحيدة ويابسة ، كانت أبسط المواقف والاحداث تكسرني ، تجرحني الكلمات الصغيرة والتافهة ، والنظرات المقصودة وغير المقصودة .. كانت الحياة بعد عائلتي تجرجرني نحو الارتباك في كل قراراتي ، وفي كل اختياراتي ، وفي كل خطواتي . تميمتي التي أحفظها من كلمات ونصائح أبي لم تكن تجديني نفعا ، وخاصة بعد أن سحبتني الحياة باتجاه أن أعرف كيف أعيش وسط هذا العالم ، ووسط هذه الناس ، فكل اشتراطات هذا العالم للعيش به ، واكمال المشوار ، تحتاج الى من يعرفها ، ويتعامل معها بشكل صحيح ، من أجل أن يكون قادرا على تمثيل دوره في الحياة بشكل مقنع للآخرين ، كي يتقبلوه ، وليتركوا له مكانا كافيا له وسطهم ، ولا ينبذونه بعيدا فيخذل ، كان يلزمني أن أتكيف مثل الحرباء ، مع كل الالوان التي تعيش بالقرب مني ، نعم قد تكون ألوان متعددة ، ومتناقضة في كثير من الاحيان ، لكنني يجب أن أجد السبل الكفيلة لبقائي متزنة في هذا العالم ( تقوم من محطة الانتظار ، وتحمل معها مجموعة من الكتب ، وتمشي الى وسط مقدمة المسرح ) دخلت في الجامعة لاكمال دراستي ، ولكنني فصلت في المرحلة الرابعة ، رغم أنني كنت متفوقة في دراستي ، لكنهم فصلوني لسبب آخر ، حيث وجدوني مع زميل لي في الدراسة ، لوحدنا ونحن نتبادل القليل من القبل ، والقليل من الاحضان الدافئة ، ولأن ذلك فعل فاضح في الحرم الجامعي ، فلقد فصلوني أنا ، وتركوا الزميل الذكر يكمل دراسته في الجامعة دون عقوبة ، فهو ذكر يمتلك سلطة كافية ، تماما مثل الكثير من الاساتذة في تلك الجامعة ، حيث راودوا أغلب زميلاتي عن شرفهن ، مقابل درجة النجاح . موازين الشرف غريبة وغير متزنة عند هؤلاء الاشخاص ، ما فعلته مخل في الشرف ، وما يفعلونه شريف جدا ( تلقي بالكتب بعيدا ) لم استطع أن أكمل مشواري في الجامعة ، وسط كل هذا العهر ، لا أستطيع أن أحتمل أن أقول كل يوم ، صباح الخير ، لاساتذة بهذا القدر من الدونية والاختلال . ( تتغير الاضاءة فتظهر مغسلة للصحون ، وعليها مجموعة الاطباق المختلفة .. فتتحرك المرأة وهي تتحدث .. وتلبس مئزر المطبخ ، ثم تباشر بغسل الاطباق وهي تتحدث ) كان يجب علي كإمرأة ضعيفة ووحيدة ، وأخاف من كلام ونظرات الناس ، أن أتخذ من أحد الرجال جدارا أحتمي به ، يرد علي وحشة الليل ، لا أعرف كيف بدأ الامر ، لكنه كان شخصا لطيفا في البداية ، وكلامه رقيق وجميل ، ربما أعجبني فيه طوله وهندامه وكلماته ، ولم أنتبه أنه لا يمكن له أن يشبه أبي ، ولكنني بصراحة كنت أبحث عن شخص يشاطرني حياتي ، يشبه أبي ولو بصفاته الخارجية ، كنت قليلة الخبرة في الرجال ، لا أدري أنهم مثل جبال الثلج ، لا ترى منها سوى القمة ، أما مؤخراتهم الحقيرة والكبيرة ، وأفكارهم الهجينة ونفسياتهم المعقدة والمريضة ، فإنك كامرأة مسكينة وضعيفة وقليلة الخبرة ، سوف تكتشفينها بعد فوات الاوان ، حيث أصبحت كل الاوراق بيده ، عقد الزواج ومصيرك ومستقبلك ، وصرت ملكا له الى أن يموت أحدنا ، لقد وقعت سريعا في هذه المصيدة ، فلقد كان هذا الرجل ممثلا بارعا في أيام الحب والخطوبة ، فظهر لي شخصا آخر بعد الزواج ، شخص متعجرف وقاس وصاحب قلب ميت ، عشت معه سنوات مؤلمة وفضيعة ، قبل أن يكتشف أنني عاقر ، فيطلقني ويذهب ليتزوج بامرأة أخرى . ( تخلع مئزر المطبخ ، ثم تتحرك الى مقدمة وسط المسرح ) لقد هاجرت بعد ذلك من مدينتي الصغيرة ، لاسكن هنا في هذه المدينة الكبيرة والصاخبة والملونة بأشكال مختلفة من الاماكن والاشخاص ، لا يعرفني أحد سواي ، إذن هي مساحتي الكافية للحركة بكل حرية ، بلا قيود ، وبلا قوانين ، أستطيع أن أتحرك بالطريقة التي أحبها ، وبالاتجاهات التي تعجبني ( لحظة صمت ) عند ذاك الزمان ، وفي هذا المكان ، قررت أن أعيش بالطريقة التي أرغب بها بشدة ، قد لا تكون منطقية ، أو لا تكون مقبولة ، لكنها الحياة التي أرغب بها ، لا يزعجني هذا التناقض في ما أحب ، حفنة من البكاء ، وحفنة من الضحك .. أجد أنني بحاجة الى كليهما ، فنصفي الذي ذاق الحزن والالم ، يحتاج لأن أداويه بالكثير من البكاء واللطم ، كي تخمد نيرانه المستعرة في داخلي .. ( تتحرك ) أما نصفي الآخر الذي يهوى الحياة ويحب أن يمارسها بطاقتها القصوى ، بلا حدود ، بلا موانع ، بلا اهتمام لكلام الاخرين ، فيحتاج الى أن أروي ضمأه بالكثير من الغناء والرقص والخمر والمتعة .. ( تعود لتدخل خلف العمود ) هذه الحياة ، كلها ، من البداية وحتى النهاية ، يشوبها الغموض ، هذا المجيء الذي باغتنا ، لنجد ارواحنا في وسط هذا العالم ، لا نعرف اسبابه ، أو لا نتفق ولو لمرة واحدة على سبب محدد وواضح . الذي حصل لي ، يحصل كثيرا جدا ، ولكنني أكثر وضوحا وجرأة ، لا أحب أن أكذب على نفسي ( تمد يدها المغطاة من الشباك ، وقدمها العارية من الباب ) أحقر ما يمكن أن نتخذه من قرار ، هو أن نكذب على انفسنا ، تجاه ما نحب ، وتجاه ما نرغب ، وتجاه ما نشعر . لنختفي طوال أعمارنا ، خلف كذبة زائفة ، دون أن نواجه انفسنا . ونختفي خلف جسد كاذب ، نغطيه بزي لا يمثلنا ، دون أن نواجه انفسنا .. ونختفي خلف تصرفات كاذبة ، لا نحبها ولا ننتمي لها ، دون أن نواجه انفسنا .. ونختفي خلف فكرة كاذبة ساذجة ، لا ننتمي إليها إلا بدافع البقاء ، أو لما يريده الآخرون منا ، دون أن نواجه انفسنا ( تخرج من الباب ) لقد اكتفيت من الكذب منذ زمن بعيد، واجهت نفسي بالحقيقة كاملة واضحة ، أخبرتها أنني “كايميرا” ، رغبتين بجسد واحد ، فكرتين بجسد واحد ، عالمين في جسد واحد ( ترقص بنشوة ) فأنا الضحك والبكاء ، وأنا العفة والعهر ، وأنا الجنة والنار ، أنا الاجابة عن كل هذه الاسئلة التي تأكلني ، أنا الصراحة دون زيف أو إدعاء .. ( تتحرك نحو المقدمة ) ما عدت أنهك روحي بكثرة التصنع أمام الآخرين ، ولا أجهد نفسي بأتخاذ هيئة اخرى غيري ، أنا صنيعة السماء والأقدار ، منحتني القدرة ، في تحديد ما ارغب وما أريد .. ومنحتني القدرة في الاختيار ، فكيف لي أن أكون كما يرغبون ! جميع من يعرفني هنا ، يعرف أنني عزاء وملهى ، لست ممن يتصنعون أنهم عزاء وكلهم ملهى . كل المعزيات يعرفن أنني عاهرة في الليل ، ويقبلن بعزائي . وكل العاهرات معي تعرف أنني أنوح طويلا في النهار ، ويتقاسمن معي الرقص والخمر . الجميع يقبلني واضحة كما أنا ، رغم غرابتي . فأنا لا أكون عاهرة في بيت العزاء ، ولا أكون عفيفة في الملهى .. العهر أن تكون عاهرا في بيت العفة ، والعهر أن يكون داخلك ماجن ، وأنت تجيد أداء دور التقوى ..
- ستار –
سامسون – تركيا
1/7/2018