مسرحية سبايكر

*سبايكر : مجزرة راح ضحيتها 1700 جندي من افراد قاعدة سبايكر العسكرية في شمال العراق ، في اثناء اجتياح داعش للعراق  عام 2014 .

_______________________________

( المكان حمّام تتوزع فيه ، احواض غسيل عديدة ، ومقاعد مرحاض متعددة  ، و اكثر من دوش استحمام ، ومرايا موزعة ، وصابون ، وشامبو ، وفرشاة اسنان ، ومناشف ..

يدخل شاب في العشرين من العمر يرتدي ملابس برتقالية اللون ، يبدأ الامر بظلام دامس ، تصاحبه اصوات بشرية متداخلة ، توحي ببداية عملية قتل جماعي ، ثم يبدأ صوت كثيف لإطلاق نار .. بعد ذلك تبدأ الاضاءة بالارتفاع شيئا فشيئا ، لنتعرف على ملامح الشاب الهزيلة ، بوجه شاحب وعينان غائرتان ويدان ترتجفان ، الشاب ينظر الى الجمهور بلا حركة ، تبدأ الموسيقى بالارتفاع ، والشاب بلا حركة ، وبلا كلام )

 (ملاحظة : يسمع الشاب كل اصوات الشخصيات من خارج الحمّام )

 الام           : ( تطرق الباب ) ولدي هل تسمعني ؟.. اغلق باب الحمّام بشكل جيد كي لا تبرد يا حبيبي .. هل تسمعني ؟ .. ولدي حمدا لله انك حي .. حمدا لله ان عدت لي .. عدت الى امك التي تحبك .. انت لا تعرف كم دعوت الله ، وتوسلت اليه ان لا تكون قد اعدمت في سبايكر .. لم اترك نذرا لم انذره لوجه الله ، وقد اهديت ثوابه لكل من اعرف من اولياء .. الحمد لله ..  استجاب الله دعائي وعدت لي حيا ترزق .. سيكون كل شيء على ما يرام .. اطمئن .. حسنا استحم الان يا صغيري العزيز  .. ولا تنسى ان تغلق باب الحمّام جيدا ..

( الشاب يبدأ الحركة متقدما نحو الباب ليقفله عدة مرات ، يقفل ، ويقفل بشكل متكرر ، مع اصوات موسيقى .. ثم يذهب صوب احد المرايا في الزاوية .. يقف طويلا امامها .. وهو صامت .. بلا أي كلمة .. يحدق في نفسه )

الاخت        : ( تطرق الباب ) ها .. اخي هل تسمعني ؟ .. انا اختك .. لقد جهزت لك كل ما تحتاجه في الحمّام لا تنسى ان تغسل رأسك جيدا ، وتحلق وجهك ، فلقد تغير شكلك كثيرا ، بهذا الشعر على وجهك .. صدقني فرحت كثيرا بعودتك سالما من فم الموت .. سالما معافى .. فرحت انا واطفالي بك .. هل تذكر اطفالي ؟ .. كنت تحبهم ، ودائما تلعب معهم .. ولا تفوت اجازة دون ان تمر عليهم ، وتشتري لهم الهدايا .. لا اخفي عليك ، لقد بكوا كثيرا من اجلك .. خافوا ان لا تعود ابدا .. دائما يسألونني : متى سيعود خالي .. لقد اشتقنا لخالي كثيرا .. أمي هل صحيح ان خالي لن يعود بعد اليوم .. كنت احتار في كيفية الجواب .. لقد فرحوا كثيرا بخبر عودتك .. انهم هنا ينتظرون ان تخرج لهم .. لا تتأخر .. اغسل جسمك بالماء البارد ، كما تحب ان تفعل ..

(  يترك الشاب المرآة ، ثم يذهب الى احد مقاعد المرحاض ، ليجلس عليه بملابسه .. يحدق في الاسفل ..   )

صوت. : ارجوكم .. اريد ان اذهب للحمّام ..

رجل1. : هناك وقت مخصص لهذا الامر .. انتظر ..

صوت. : لا استطيع أن انتظر .. انا متضايق جدا ..

رجل2. : حسنا .. يمكنك ان تطرحها في سروالك ايها القذر ..

صوت. : دقيقة واحدة فقط .. لن اتأخر ..

رجل1. : ولا ثانية ..

صوت. : ارجوكم .. لا احتمل .. اتوسل اليكم ..

رجل2. : حسنا .. هاك كيسا احتفظ بها فيه ، الى ان يأتي وقت الحمام المخصص ..

( ينهض الشاب من مكانه يتجه ليغطس في حوض البانيو المليء بالصابون )

 الاخ. : ( يطرق الباب ) الف لابأس عليك يا اخي الغالي .. والله بعودتك عاد كل الفرح الى هذا البيت .. انت ركن البيت الاساس يا اخي .. كلنا بحاجة اليك .. ارجوك لا تتركنا نفترق .. ابق معنا .. لا تكن في المكان الخطأ ، ولا في الزمان الخطأ .. اعرف انك منذ البداية كنت تحب ان تكون في الطيران .. اعرف انك مذ كنا اطفالا ، تحب ان تكون لك اجنحة الطيور .. وهذا ما كنت تخبرني به حين كنا صغارا نلعب في باب الدار .. كنت لا تمل التحديق في السماء .. تحسد الطيور على اجنحتها .. وحين كانت تمر طائرة في مدينتنا ، تلوح لها بكلتا يديك .. وتبقى تقسم .. انك رأيت من في الطائرة يلوحون لك .. اخي الحبيب ارجوك .. كفاك حبا بالتحليق .. ابقَ من اجلنا حيا ارجوك ..

(ينهض الشاب من الحوض ، وهو مغطى بالصابون ..  ليذهب الى مرآة اخرى .. يحدق في نفسه وهو يشبه الطائر  )

الصوت. : المكان ضيق لا نقدر ان نمد ارجلنا لننام ..

رجل1. : وهل تحسب نفسك في فندق ..

الصوت. : ارجوكم العدد في هذا السجن كبير جدا .. ونحن في فصل الصيف .. الجو خانق .. سنختنق ..

رجل 2. : ان تموتوا خنقا ، افضل من ان يطلع عليكم الصبح ، لتذبحوا كالخراف ..

الصوت. : اذبحونا الان وأريحونا مما نحن فيه ..

رجل1. : سنقتلكم .. لا تستعجل .. نحن ننتظر أن يصل الامير ، ومعه القاضي ، والمصور،  لكي ننفذ بكم الحكم .. سنذبحكم ذبحا ..

الصوت. : ومتى سيطلع صبحكم ..  

رجل2. : لا تقلق .. سيكون صبحنا ظلام حالك عليكم ، اصمتوا لا نريد ان نسمع شيئا آخر

( يتحرك الشاب .. يتحرك باتجاه الدوش .. يقف تحته ثم يبدأ بتشغيل جريان الماء عليه ، وهو بملابسه البرتقالية  )

العم. : ( يطرق الباب ) الحمد لله على سلامتك يا بن اخي .. صدقني ما وصل لي الخبر الا الان فجئت اليك مسرعا .. الحمد لله ان عدت لامك ، ولنا جميعا .. انا بالنسبة لك يا ابن أخي ،  بالضبط كأبيك الذي رحل عنا سريعا بعد ان قتلته المفخخات في العاصمة .. نحن نرى فيك كل زهو ابيك ، وكل محبته لأهله ، انت غالي علينا .. ومنى القلب ان نراكم انت وابنة عمك ، في ليلة زفافكم سعداء .. لقد ساحت روح ابنة عمك من الحزن عليك في غيبتك .. وأقسمت ألف يمين ان تأتي معي .. ها هي تريد ان تتكلم معك .. ها هي خطيبتك ..

الخطيبة : ( تتحدث بخجل ) انا هنا .. هل تسمعني يا ابن عمي ؟ .. كيف هو حالك ؟ .. عمتي تقول انك اصبحت هزيل الجسم  .. هل تشكو من شيء ؟ هل يؤلمك سيء ؟ .. هل آذوك .. هل انت بخير ؟ .. انت لا تدري ماذا حدث لي ، حين سمعت خبر ما حصل في قاعدة سبايكر .. وكيف عرضوا في الاخبار أنهم يقتلونكم بالمئات ، ويدفنونكم .. آه كم بكيت حين رأيت عيون اصحابك ، وكيف تنخر رؤوسهم رصاصات القتلة .. كم احمد الله ان ارجعك لي سالما .. انت اغلى ما عندي .. لا تتركني وحيدة يا بن عمي .. لقد تعودت على كل ما فيك .. نحن مع بعض مذ كنا صغارا .. وسنبقى معا حتى الممات .. احبك ولا اريد ان تفجعني فيك في هذه الدنيا ..

(يبعد الشاب عن الدوش ويأخذ المنشفة ويضعها على  رأسه ثم يذهب ليجلس على السيفون ويشبك يديه على رأسه .. )

الصوت. : نحن لسنا اعدائكم ..

رجل1. : انتم أشد اعدائنا ، ويجب ان نتخلص منكم ..

الصوت : نحن اخوة  ، السنا أبناءً لوطن واحد ..

رجل2. : نحن لسنا اخوة .. وهذا الوطن وطننا وحدنا .. انتم دخلاء على هذا الوطن .. انتم عملاء .. هل تفهم ؟

الصوت. : هذا وطننا كلنا .. نحن نستوطن فيه منذ آلاف السنين .. لماذا تقتلون ابناء جلدتكم ..؟  صدقوني سيأتي الغرباء ليقتلوكم ،  تماما كما تقتلون الآن اخوتكم .. ويأخذون كل شيء ..

 رجل1. : نحن يجب أن نحكم ، والجميع يدعمنا في أهدافنا .. سنقتلكم ثم نحكمكم ..

الصوت. : اذا لم ندعم بعضنا البعض سنغرق كلينا .. نحن بحارة لمركب واحد ، اتركوا جنود بلدكم يعودون الى بيوتهم .. لا تحكموا عليهم بالموت .. الدم لا ينجب سوى الدماء .. لن تنتهي هذه المهازل .. سنقتل بعضنا بعض ، ولن يبقى حيا سوى الغرباء والدخلاء

رجل2. : اخرس .. لا اريد ان اسمع صوتك ..

رجل 1. : أنظر .. لقد وصل الامير والقاضي والمصور ..

(يقف الشاب مفزوعا ، يتحرك يمينا وشمالا .. يحاول ان يختبئ في حوض البانيو ، ينظر للجمهور بصمت ، يخاف ، ترتجف كل اوصاله .. ثم يبكي )

الصديق. : ( يطرق الباب ) لقد عرفت دائما انك اشجع اصدقائي وانك لن تموت بسهولة ( يقف الشاب .. ثم يبتسم ) وانك ستعود من بين فكي الاسد .. الحمد لله على سلامتك .. اعرف انك تتألم لكل ما حصل لرفاقك امام عينيك ، ولكن هكذا هي الاقدار ، مات بعضهم بإطلاقة واحدة ، ومنهم من مات بعشر رصاصات ، ولكن ربما قد  يكون بعضهم مات من وقع الحدث فقط ، هذه هي الاقدار .. لا نرسمها نحن ، هي من ترسمنا .. ولكنك يا صاحبي ، على الرغم من وابل الرصاص الذي مرق كالمطر في كل جوانب جسدك ، لم تصبك أية رصاصة  بأي خدش ، انت مؤمن اننا صنيعة الاحداث الذي رسمتنا وترسمنا ، وستبقى ترسم تفاصيلنا ابد الايام ..

( يخرج الشاب من البانيو مسرعا يحدق في عينيه في المرآة ، يتحسس وجهه ، ويحدق في عينيه .. ثم يبدأ بتحسس جسده من الأعلى الى الاسفل ، ثم يتحسس جيوبه ، فيجد ورقة  في جيبه ، ثم يفتحها .. يحدق بها .. )

الصوت : اسرعوا .. كل واحد منا يحاول ان يحصل على ورقة ، لنكتب اسماء بعضنا البعض .. نعم .. وارقام هواتف اهلنا .. من يبقى حيا .. يتصل بكل الارقام ليخبرهم انه رأى بأم عينيه ، ابنائهم يموتون .. كي تتوقف لديهم عجلات الانتظار .. ويقرأون ما تيسر من سور القرآن على ارواحهم .. وتجف دموع الامهات ، ويقطع الآباء أمل العودة .. وينتهي كل شيء بلا ألم .. وبأقل الدموع .. هيا ابحثوا عن ورقة تكتبوا عليها .. ولا تنسوا الارقام .. وخبئوها في مكان آمن في ملابسكم ..

( يتقدم  الشاب الى مقدمة المسرح .. يخرج من جيبه جهاز موبايل ويبدأ بالضغط على الرقم الاول ..)

 احدهم.  : هل انت متأكد ؟ يا الهي .. كيف حصل ذلك .. ارجوك أخبرني .. ماذا قال في آخر لحظاته ..؟

(يضغط الشاب الازرار ليتصل بالرقم الثاني ..)

آخر    : ماذا تقول انت .. لا اصدق ان ابني مات .. ماذا سأفعل بدونه ؟ .. انه آخر من بقي حياً من  اولادي ..  لقد قتلوا اخوته الاخرين .. ماذا سأفعل وانا رجل عجوز بلا معين ..؟

(يضغط الشاب الارقام ويتصل بكل الارقام ، واحدا تلو الاخر )

آخر.    : هل كان يرتجف .. ام انه تلقى الرصاص بهدوء .. أخبرني ارجوك .. ؟

آخر.    : هل ذكر اسمي قبل ان يموت .. ؟

آخر     : هل نام ليلة اعدامه .. أم انه كان يصلي قبل ان يغادر ، في صباح هذه الدنيا ؟

 آخر.    : مات كل شيء معه .. سأموت بعده .. سأموت ..

 آخر     : يا الهي .. لازال صغيرا .. لم يذق طعم الحياة بعد ..

آخر      : لم اكن موافقا على ذهابه للحرب .. ولكنه دائما يحب ان يثبت لي انه صار اكبر من ذي قبل .. لقد أصبحت ميتا الآن يا بني ..

آخر       : ماذا سأقول لعروسه التي تنتظره في غرفتها .. اخبرني .. ماذا سأقول ؟

آخر      : آه .. قلبي يؤلمني .. آه .. ابني مات .. سأموت .. آه ..

آخر       : مات .. كيف يموت ويترك امه .. وعدها بأنه سيعود قريبا ..

آخر      : يا الهي .. ابني مات .. مات .. انتهى كل شيء ..

(  تستمر الاصوات .. وتتداخل مع بعضها البعض ، ثم ترتفع الموسيقى شيئا فشيئا ،  ثم يبدأ الاظلام .. )

ستار

 الناصرية 18/2/2015