إستقراطية
- كلمة إست : بالعربية مرادف للمؤخرة ، أما كلمة كراتوس : باليونانية القديمة تعني حكم .
( تحت بقعة ضوء ، يسجد أحدهم على الأرض ، مؤخرته للجمهور . )
رجل 1 : عرفت ومنذ البداية ، أنها ستكون صقيعه وتافهة ، نعم ، لقد تأخرت عليها ، فبردت حرارتها ، وفشل مذاقها ، في النهاية ، وجدت نفسي أأكلها رغم طعمها الباهت . هذه باختصار هي حياتي ! حياتي شوربة دجاج ، باردة ، باهتة ، بلا طعم . اعيشها رغما عني ( يرفع رأسه ، لحظة ، ثم يعود للسجود ) لست ساجدا لأحد ، كل الذي يجري معي ، أنني احاول افراغ جمجمتي ، أفرغها من بقايا الآخرين ، الذين لوثوها حتى التخمة . دروس ، كلمات ، نصائح ، توجيهات ، عيب ، حرام ، لا يجوز ، لا يصلح ، في العادة ، أعتقد . كمٌ هائل من روثهم ، فضلات رؤوسهم القبيحة ، امراضهم النفسية ، نقص شخصياتهم . والتي حشروها ، لسنين طويلة ، بكل اساليبهم التي برروها ، تارة بالحب ، وتارة بالقرب ، وتارة بالأخوة . وفي نهاية الامر ، حين غسلت اسناني من بقاياهم ، اكتشفت بوضوح ، أن الاحذية القديمة والممزقة التي في رؤوسهم ، قد أكلتها أنا كلها ، وها هي بقاياها بين اسناني . ما انقذني منهم سوى أنني أخيرا ، أغلقت فمي ، اغلقته جيدا ، كي لا يحشرون المزيد من احذيتهم في فمي مرة اخرى . ( يرفع رأسه عن الارض ويبقى جالسا ، ثم يسجد )
( يأتي رجل 2 يرى رجل1 ساجدا ، يكبر واقفا ، ثم يسجد خلف رجل 1 )
رجل 1 : ما أفعله الان أنني الصق رأسي في الارض طويلا ، لكي يرتاح هذا المسكين ، من سلطاتهم التي حكمتني ، حكمت ايامي وسنيني ، صادرت مني اشياء كبيرة وكثيرة ، لأصبح في نهاية الامر ، نسخة منهم ، نسخة طبق الاصل . هل هذا فعلا ما يجب ان أكون عليه ! بالتأكيد كلا ، ليس ذلك ما يجب ان افعله .
رجل 2 : ( يجلس ) سيدي إمام الصلاة ، لو سمحت ، ولكن الساجدين يقولون شيئا آخر !
رجل 1 : ( يجلس ) أنا لست على مذهب الناس يا سيدي .
رجل 2 : وهل الصلاة خلفك مقبولة ؟
رجل1 : أنا لا أصلي ، أنا أسمو ، اتطهر ، أرتقي أنا أحاول أن أنقذ روحي .
رجل 2 : هذا كلام إمام عارف ، زاهد ، متبصر . ولكن ، هل يقبل السجود بهذا الشكل ؟
رجل 1 : لا أعرف ، ولكني اعتقد ان ذلك ما يجب أن أكون عليه .
رجل 2 : حسنا ، واصل الصلاة ، سيدي ( يسجد )
رجل 1 : ( يسجد ) الدم في جسدي يتدفق بشدة الى رأسي ، يضغط عليه ، ولكن بالمقابل ، مؤخرتي ، هناك في الاعلى ، تتنفس بحرية ، بعد ان تخلصت من ضغط الجلوس بأدب ، كما يرغبون . أجلس بين أيديهم بإصغاء ، بليد ، مستسلم ، مقتنع ، مؤيد ، مؤكد ، معتقد ، منتمي . ولكني اليوم غيرت واقع مؤخرتي المظلومة ، المستضعفة ، المسكينة . لكي تكون هي من في الأعلى . مؤخرتي التي انتفعت كثيرا من وضعي في السجود ، هي الوحيدة التي تستفيد من هكذا وضع . مسكينة تحملتهم معي كثيرا ، وصار يجب أن تنعم بالحرية .
رجل 2 : ( بصوت عال ) سبحان ربي الاعلى .
رجل 1 : هذا زمن تحكمه المؤخرات ، هذا زمن تنال فيه المؤخرات فوق حقوقها ، كما حصلت كل الأشياء على حقوقها . صارت اكثر إشهارا ، وأكثر بروزا في وسائل الاعلام . هل ينكر أحدنا كيف يبدو تأثير المؤخرات على شاشات التلفاز ، وفي مواقع الانترنيت . هل ينكر أحدنا أنها قادرة على تغيير مسار الاحداث ، تاريخ الأشخاص ، حركة الاقتصاد ، ووضع العلاقات السياسية . وبعد كل هذا ، لا ترضون أن تأخذ حقوقها كاملة ، قدرتها على الارتقاء الى الأعلى ، حريتها الشخصية ، في الحركة ، والالتواء ، والتمايل ، والبروز ، والرقص .
رجل 2 : سبحان ربي الاعلى وبحمده ، ثانيا .
رجل 1 : حين تكون المؤخرات في الأعلى ، حتما سيكون الرأس في الأرض ، يجاور الأحذية ، وربما يلعقها من الأسفل ( لحظة ) حكمة أن الرأس خلق ليبقى في الأعلى ، لم تتكشف لي جيدا ، وخصوصا أنني من جيل المؤخرات ، جيل جديد ، تسيطر على مقدراته ، ومستقبله ، وحاضره ، وتفاصيله ، مؤخرات مؤثرة في جميع المستويات ، جيل ضاقت رؤيته للحياة الى درجة انها تيبست ، مثل لحاء شجرة عجوز ، صار يابسا ومشققا وليس له نفع ، جيلي ، جيل منحت فيه التماسيح حقوقها ، ومنحت فيه الفيلة حقوقها ، ومنحت فيه الدلافين حقوقها ، ولكنه جيل ، لازال لا يفهم ما له وما عليه ، لا يعرف ما يريد بالضبط .
رجل 2 : سبحان ربي الاعلى وبحمده ، ثالثا .
رجل 1 : كنت خائفا جدا ، لمجرد أنني أفكر أن أكفر بالرأس ، وأهتف باسم المؤخرات ، كنت خائفا جدا ، فكيف يحدث أن أخرج من دائرة ، عشت داخلها مثل الصفر ، ليس له قيمة بدونها . كنت اربط وجودي كله ، مع تلك المشنقة الدائرية الشكل ! دون ان افكر في يوم من الايام أن ما كان يجري لي ، هو أسوء ما قد يجري لي ، وان هناك خارج هذه الدائرة الغبية عالم واسع ، هناك خارج الدائرة ، العالم بهيئة مختلفة . كل التعريفات الجمركية على الحدود ، كان لها ثمن في حياتي ، دفعته مقدما ، كل ماكنت اخافه من هذه الاثمان ، التي سأدفعها بسبب بضاعتي الجديدة ، هي في الحقيقة مدفوعة مسبقا .
رجل 2 : ( يجلس من السجود ) سيدي الإمام ، هل أنت متأكد أنك تصلي !
رجل 1 : ( يجلس ) أصلي ! أنا أصلي ، ربما .
رجل 2 : ماذا تقصد بقول ربما ؟
رجل 1 : ربما تكون صلاة ، وربما شيئا آخر ، من يدري .
رجل 2 : أنت على حق ، كلنا لا ندري هل ستقبل صلواتنا ، واصل السجود . الله اكبر ( يسجدان )
رجل 1 : ( وهو ساجد ) ماذا سيحدث اكثر مما جرى لي ، ليخبرني احد ، هل هناك ما هو اسوأ من أن يعيش المرء طوال حياته في كذبة كبيرة ، يحمل في داخله قيء الاخرين ، على انها أفكار وانتماءات . لقد تكشفت عورات من كانوا يستترون بالكلمات الفارغة من أي وجود . والذين كانوا يبيعونني حفنة من مورفين لكي لا أصحوا ، ولكي لا اعرف ما كان يجري .
( يدخل رجل 3 ، يجد الرجلين ساجدين ، يكبر واقفا ، ثم يسجد معهم )
رجل 1 : رأسي يؤلمني لقد نزلت فيه الدماء ، لكن لا يهم ، مؤخرتي تتنفس بحرية . كيف يحدث انني لم اكن ارى كل هذا الزيف الكبير حولي ، وكيف يحدث أن تمرر امامي ، هذه الكمية من الجمل ، والقصص ، والصفحات الخرقاء ، ولا أقرأها بشكل واضح ، كأنني كنت مغشيا ، سكرانا ، مؤرتنا ، محششا !
رجل 3 : آمين ، آمين يا رب .
رجل 2 : ( يجلس ثم يسأل رجل 3 ) لماذا تقول آمين ، هل كان الإمام يدعو يا سيدي .
رجل 3 : ( يجلس ) ماذا تقول يا سيدي ، ارفع صوتك .
رجل 2 : ( يرفع صوته ) هل سمعت الإمام يدعو ، لماذا تؤمن ؟
رجل 3 : لا يا سيدي ، لم اسمع شيئا ، أنا ضعيف السمع .
رجل 2 : حسنا اذن اسجد ، وقل آمين بقدر ما تشاء ( يسجد )
رجل 3 : ( يسجد ) آمين ، آمين
رجل 1 : يحدث الآن ، عاجل ، عاجل ، حصاد اليوم ، أهم الانباء : رأسي بدأ يلقي ما تكدس فيه ، من حاويات الازبال ، والاسمال ، والعلب الفارغة ، والمعلبات منتهية الصلاحية . أما مؤخرتي أيها السيدات والسادة ، فإنها تستمتع بعصرها الذهبي ، هناك في الأعلى ، تحت ضوء الشمس الساطع ، وعبق النسيم العليل ، واستنشاق الحريات بطعم العصر الجديد ، عصر المؤخرات .
رجل3 : آمين ، ألف ألف آمين .
رجل 1 : كان أحدنا فيما مضى ، يخاف على رأسه أن تقطع ، خصوصا اذا كان رأسه يحمل أفكار ثورية ، تنويرية ، تقدمية ، ما بعد الحداثوية . أما الان ، ونحن ننعم بعصر المؤخرات ، لا خوف على مؤخراتنا ، لأنها أصلا ، غير صالحة للقطع ، ولم نسمع أن مؤخرة قد تم قطعها أبدا ، ولكننا قرأنا كثيرا في تاريخ المؤخرات النضالي ، أن مؤخرات العظماء والثوريين قد تضررت ، واضطهدت ، واغتصبت بالخوازيق ورؤوس القناني ، في غرف التعذيب ! لتشارك هذه المؤخرات في النضال من أجل الحرية . إن المؤخرات قد أثبتت في المعتقلات أنها ما عادت تخاف من السلطة ، فما عادت خانعة ، رغم أنها بقيت مجرد ملتصق خلفي ، يستغل الظروف ، وينتهز الفرص للصعود ، طفيلي ، انتهازي ، وصولي ، متسلق على اكتاف الاخرين .
رجل 2 : ( يجلس ) بوركت سيدي ، يا رباني الصلاة .
رجل 3 : آمين ..
رجل 2 : آمين ..
رجل 1 : ما عاد يهمني ابدا أمر رأسي السخيف ، الاخرق ، المتراجع ، المتهالك ، لقد صار جوار الطين ، والحصى ، والبصاق ، وذروق الدجاج . ماذا ستنتظر منه ، أن يقوم بتغيير ما ، أبدا ، لن يقدر .
( يدخل رجل 4 ، يشاهد الرجال الثلاثة ساجدين ، يقف ، يكبر ، يسجد معهم )
رجل 1 : سُعار التصديق أكلني ، أكل حياتي ، كيف لكائن حي ، ينظر ، يسمع ، يشعر ، أن يصدق كل ما يسمع ، هذا العالم يتحدث طوال الوقت ، كيف يمكنك أن تصدق كل ما يقال ، كنت أحسب أن الانسان في المقدمة ، لكنه حب الذات ، والشهرة ، والظهور ، والركوب على ظهور الناس .
رجل 3 : يا رب ، يا رب .
رجل 4 : ( يغني بصوت عال ) يا رب ، يا رب . آمين ..
رجل 2 : ( يجلس ، يتحدث مع رجل 4 ) ماذا تظن نفسك فاعلا سيدي !
رجل 4 : ( يجلس ) أنا ؟ هل تتحدث معي يا سيدي ؟
رجل 2 : نعم أتحدث معك .
رجل 4 : ماذا تريد ؟ لم أفعل شيئا يزعجك .
رجل 2 : لقد كنت تغني أثناء السجود يا سيدي .
رجل 4 : وهل كنا ساجدين !
رجل 2 : نعم كنا نصلي لرب العالمين .
رجل 4 : وأنا كنت أصلي معكم !
رجل 2 : نعم ، لقد كبرت ، ثم دخلت للصلاة ، وكنت ساجدا معنا .
رجل 4 : لم أكن أعرف بذلك . لم أكن أدري بنفسي . أنا كنت ساجد !
رجل 2 : وكنت تغني أثناء السجود .
رجل 4 : ولكني ..
رجل 2 : ولكنك ماذا ؟
رجل 4 : ولكني كنت في الحانة ، أحتسي ، أشرب ، أسكر ، ملئت قربتي عن آخرها بالخمر .
رجل 2 : ( يصرخ ) أنت سكران وتصلي معنا !
رجل 3 : ( وهو ساجد ) اترك الرجل يصلي ، قد يغفر الله له بهذه الصلاة .
( يسجد رجل 2 ورجل 4 )
رجل 1 : رأسي يؤلمني ، لقد نزل الدم فيه ، ومؤخرتي بدأت تؤلمني أيضا ، مسكينة ربما لم تعتد على هذا الامر ، لم تعتد على كونها في الأعلى ، واشتاقت أن تكون في الأسفل ، مشكلتي أنني حتى مؤخرتي لا تعرف مصلحتها ، كما عرفت ملايين المؤخرات مصلحتها . المؤخرات كل المؤخرات تشعر بالغربة اذا كانت في رأس السلطة ، يراودها شعور بالغربة ، بالعزلة ، بالتوهان ، الامر يشبه الحديث عن الورود في غرفة درس الرياضيات ، تحتاج المؤخرات ان تستوعب انها في مكان يختلف ، لذا من الضروري ان تتصرف خارج سياق أنها مؤخرات . لا يمكن للمؤخرات ان تصبح رأسا ، الرأس رأس ، والمؤخرات سواقي .
رجل 4 : ( يجلس ) ما هذه المؤخرات التي تتقاذف علينا ، في كل الاتجاهات ، هل أنا في مسجد ، أم في ملهى !
رجل 3 : ( يجلس ) ماذا تقول ، هل انتهت الصلاة ؟
رجل 2 : ( يجلس ، يرفع صوته ) نحن لا زلنا في الصلاة ، ولكنا لسنا في مسجد ، نحن نصلي في الساحة العامة في وسط المدينة ، بعد منتصف الليل ، نصلي بطريقة مختلفة .
رجل 4 : نصلي في ساحة عامة !
رجل 2 : نعم ، وبعد منتصف الليل .
رجل 4 : وما اسم هذه الصلاة ، صلاة الشارع ، ام صلاة الهواء الطلق ، أم صلاة أبناء الليل !
رجل 2 : لا أعرف ، ولكنها صلاة ذات روحانية عالية .
رجل 4 : هل تشبه روحانية المشروبات الروحية ؟
رجل 2 : انت الوحيد الذي يستطيع المقارنة ، بين الروحانية ، والمشروبات الروحية .
رجل 3 : هل انتهت الصلاة ؟
رجل 2 : ( يصرخ في اذن رجل 3 ) لا زالت الصلاة قائمة ، قد قامت الصلاة .
( يسجد رجل 2 ورجل 3 ورجل 4 )
رجل 1 : رأسي صار يؤلمني أكثر ، وأكثر ، ومؤخرتي هي الاخرى تؤلمني أكثر وأكثر . أنا لا أسجد لأحد ، أنا في وضع خاص ، خاص جدا . هو اختيار بلا ضغوط ، محاولات للتغيير ، والتقدم ، وتحقيق المستحيل ، اختيار لوضعية الجسد بشكل حر شيء مثير ، ومميز ، وحيوي .
رجل 4 : ( يغني ) يا .. يا .. رب
رجل 1 : ( يواصل ) كنت قبل هذا الوضع الجسدي ، قد اخترت اوضاع جسدية مختلفة ، منبطح ، مستلقي ، متكأ ، مرفوع الساقين ، ولكنها جميعا لم تجدي نفعا . حاولت فيها جميعا ان ارتاح ، اكون اكثر سعادة ، ولكنها لم تجدي نفعا . هذا الوضع الجسدي ، كان هو الاقدر ان يمنحني الراحة ، الطمأنينة ، التوازن .
رجل 3 : الحمد لله رب العالمين .
رجل 4 : ( يغني ) يا .. رب .. يا .. رب .
رجل 2 : سبحان ربي الأعلى ، رابعا .
رجل 1 : مواعيد كثيرة مضيت لها ، مارستها ، دققت فيها مسماري ، لكنها جميعا لم تنقذ رأسي من الخذلان ، من التوهان ، من الانكفاء ، لم تقدر هذه الكرة المدورة التي أحملها على كتفي منذ ولادتي ، ان تصيب هدفها ، كانت سلعة رخيصة لأقدام الاخرين بكل ما فيهم من بؤس .
رجل 4 : ( يغني ) يا .. يا .. راحم عبادك المساكين .
رجل 3 : ماذا تقول ، ماذا ؟
رجل 2 : ( يرفع صوته ) اتركونا نستمع لهذه المناجاة ، الابتهالات ، التوسلات ، المختلفة والجديدة ، لا تقاطعوا إمام الصلاة ، اتوسل اليكم .
رجل 3 : آمين يا رب ، آمين .
رجل 4 : ( يغني ) يا رب العالمين .
رجل 1 : رأسي يؤلمني ، لقد نزل فيه الدم ، مؤخرتي هي الاخرى تؤلمني ، أنا أتألم من كل مكان ، اشعر بالضيق . جسمي كله يؤلمني ، روحي هي الأخرى صارت تؤلمني هذه المرة ، وجع غريب ، وجع يأتي من مكان عميق في داخلي ، كأن بركان قد عاد ليشتعل بي ، أحسب أن كل ما حوى داخلي بدأ يغلي ، يغلي ، يغلي .
رجل 3 : يا رب ، يا رب .
رجل 4 : لا أفهم ما قضية المؤخرات هذه الليلة !
رجل 2 : روحانية عالية ، انقطاع ، تبتل ، ذوبان . يا الله .
رجل 1 : روحي تؤلمني ، تؤلمني بشكل مركب ، ابعاد متداخلة ، تداخل فيها الزمان والمكان ، والعرض والارتفاع ، والطول والعمق ، كي تتراقص في جحيمهما الذكريات ، نعم ، لقد قفزت مني الآن ، صورة قديمة ، صورة حكاية قديمة ، إنه الطفل الذي ، الذي لم تجد أمه خرقة تمسح بها مؤخرته ، بعد أن تغوط ، فمسحت مؤخرته بقطعة خبز ، من الخبز الذي كانت تخبزه في التنور ، فمسخت الام الى قرد ، حكاية قديمة ، قفزت من مكان سحيق في جمجمتي ، حكاها لي أحدهم في طفولتي . ربما جمجمتي تحاول أن تتخلص منها الآن الى الابد . المؤخرات مرة أخرى ، تغير اقدار الناس ، تعلمنا حكمة أن لا نمنح المؤخرات حجما أكبر ، كان يمكن للأم أن تترك مؤخرة ابنها دون تنظيف ، لن ينهار العالم بسبب مؤخرة طفلك سيدتي ، ثم ماذا حدث لك سيدتي بعد ان تحولت الى قرد ، كيف ستنظفين مؤخرته ، هل ستلعقينها مثلا .
رجل 4 : ( يجلس ) المؤخرات تتقافز ، هنا وهناك ، قبلنا بها ، آمنا بالله ، ولكن مؤخرات تمسح بالخبر ، مؤخرات تلعق ، مستحيل ، هذه ليست صلاة يا اخوان ، هذه ، هذه ،
رجل 2 : ( يجلس ) هذه ماذا ؟
رجل 4 : هذه ( لحظة ) والله لا اعرف ما هي ، لكنها قد تكون أي شيء ، ولكن لا يمكن أن تكون صلاة .
رجل 2 : هل صليت قبل هذا اليوم ؟
رجل 4 : حسنا ، ربما تحولت الصلوات الى هذا الشكل ، لا أدري ، أنا لم أصل طوال حياتي ، لا أعرف كيف تكون الصلاة . كل العالم يتغير ، ما لذي يُبقي الصلاة على حالها ..
رجل 2 : أنت سكران يا سيدي ، بل أنت بكل تأكيد سكران جدا ، هذه صلاة خاصة .
رجل 4 : سكران ؟ أنت على حق ، ولكن هل تسمح لي بسؤال ؟
رجل 2 : تفضل ، قل ما لديك .
رجل 4 : هل هناك علاقة بين أن تشرب الخمر ، وأن تسمع مفردة مؤخرات كثيرا ؟
رجل 2 : القضية أنك لا تسمع بقلبك ، تسمع بأذنك ، أكمل الصلاة ولا تقاطع الإمام .
( يسجد رجل 2 ، لحظة ثم يسجد رجل 4 )
رجل 1 : أن تفرغ رأسك من تلك التلال الضخمة من الأفكار والحكايات والناس ، حتما سيشبه المخاض ، ألم واستغراب ، وحزن وغثيان ، في داخلنا تتكدس اكواما من هذه الأشياء ، لا ينبغي أن تبقى هناك ، تتكدس بعضها فوق بعض ، ، تحتاج الى عملية تفريغ وبأسرع وقت .
رجل 2 : الف آه ، وآه .
رجل 3 : آمين .
رجل 1 : ترتبط الحكايات والناس في رأسي بالماضي ، بوثيقة الأشياء التي سمعتها ، أو شاهدتها ، أو تصورتها في رأسي ، بعضها بدا أغرب في رأسي ، وبعضها كان أكبر وأضخم ، ربما بسبب تصوراتي ، ولكن الكثير منها قد أصبح بشعا الى حد كبير . رغم أنني مررت بسنين أخرى ، عرفت بها أن الأشياء خلاف ما في رأسي ، ولكن رأسي الاخرق لا يرضى أن يدفع بهذه الخزعبلات بعيدا عني ، كأنه منوم مغناطيسيا ، مخدر ، عاجز ، مقيد . حاولت مرارا أن أوضح أن للناس حرية التصرف بمؤخراتهم .
رجل 4 : المؤخرات مرة أخرى !
رجل 2 : هس ..
رجل 1 : ( يواصل ) رأسي لا يريد أن يمحو صورة ابن جيران ، قديم جدا ، كان يستخدم مؤخرته لأغراض نفعية ، حاولت أن أأتي بأشياء تقنع رأسي ، أن هذا الشخص قد كبر واصبح مسؤولا كبيرا في هذا العالم ، ولكن دماغي لا يريد أن يتركه يكبر ، أو يقوم بتحديث صورته المثليّة الأولى ! حاولت أن اقرأ له مقالا كاملا كتبه ابن جاري حين اصبح مسؤولا ، كتبه يوضح فيه الفضيلة ، وشروطها واصحابها ، وأنه يتحدث بثقة كبيرة ، لكن رأسي يابس ، حذاء قديم متحجر ، حاولت أن أفهمه أن الزمن أثبت أن ما كان يمتهنه أبن جاري ، قد أتى أكله في هذا العالم ، في زمن المؤخرات ، وأنه وصل بسبب ذكائه وانشطته التي لا يجيدها الكثير ، وصل ليكون قائدا ، رمزا ، خطاً احمر ، ورائدا ، ومبدعا .
رجل 3 : تقبل منا هذا القليل يا رب ، آمين .
رجل 4 : ( وهو ساجد ) أريد فقط أن أعرف ، هل أنا واقف على رأسي ، أم على قدماي ، أشعر أني بالمقلوب ، يا سادة الحقوني ، سأتقيأ في مسجدكم ، سأتقيأ على إمامكم ، الحقوني .
رجل 2 : قلت لك نحن في الساحة العامة وليس في مسجد .
رجل 4 : حسنا إذن ، هي حدود ملكية عامة ، أستطيع أن أتقيأ على راحتي . ( يتقيأ )
رجل 1 : رأسي يؤلمني ، يكاد ينفجر من الألم ، مؤخرتي تؤلمني جدا ، لكنها لا تريد أن تنفجر ، كما يحدث للكثير من المؤخرات الملغمة ، والتي تنفجر هنا وهناك ، لتزيد هذا العالم كميات اخرى من الخراء .
رجل 4 : لقد أشبعتنا خراء هذه الليلة ، من مؤخراتك التي لا تنتهي يا إمام الصلاة . ( يقيء )
رجل 1 : كل أجزاء هذا الجسد تؤلمني ، كأنما سياط من نار مزقت كل اجزاءه .
رجل 2 : الله ، الله .
رجل 1 : أنا لا أسجد لأحد ، كل الذي يحدث ، أنني أحاول أن أقلب وضع جسدي ، فوق تحت ، بالضبط كما يجري في هذا العالم ، العالم المقلوب فوق تحت ، العالم الذي يمشي على رأسه ، مؤخراته هي التي تحكمه ، رائحة هذا العالم نتنة ، نتنة جدا ، ماذا تنتظر من عالم يعيش عصر المؤخرات ! ، خاو ، تافه ، مادي ، لوطي ، لا يريد أن يستقيم ، هذا الماخور ، هذا العالم ، تحكمه أفكار ، فضائيات ، أحزاب ، حكومات ، كهنة ، أساتذة ، آباء ، أصدقاء ، مدن ، احداث ، قوانين ، بنوك ، مؤسسات . كلها ، كلها مؤخرات ، مؤخرات تتغوط على أيامنا ، بما يشبه الحزن ، والالم ، والكثير من غشاوة الرؤية .
رجل 3 : ( يبكي بحرقة ) أتوسل اليك يا رب ، استجب لنا ، تقبل منا هذا الدعاء .
رجل 2 : سبحان ربي الأعلى ، خامسا .
رجل 4 : الآن تنفست ، أفرغت كل ما كان في معدتي .
رجل 1 : ما يخيفني حقا ، أن تستمر الجماجم في حضيض الحياة ، وتبقى المؤخرات في الأعلى ، رائحتها تزكم وجودنا ، تعطينا إحساس باللاجدوى ، تدفعنا نحو اتخاذ مواقف لا منطقية تماما ، فما معنى أن تلصق رأسك على الارصفة ، كي تفرغ ما فيه ، نحن في مأزق ، نفق ، أزمة ، انهيار .
رجل 4 : بدأ رأسي يصحو ، كأن كل الذي شربته تبخر .
رجل 1 : من يعيرني حفنة حكايا تقلب رأسي الى الأعلى ، وتضع مؤخرتي في وضعها الطبيعي ، من يحكي لي أفضل مما أعرف ، من يحاول أن يثبت لي أن الشمس ، لا تشرق كل يوم ، على ملايين الحزانى ، وملايين الحيارى ، والكثير من الخوف ، والقلق .
رجل 4 : كأن عيناي كانتا مغمضتين ، والآن قد فتحت .
رجل 1 : ( يواصل الكلام ) أنا ومن معي في كهف الاعتراض ، راقدون على الصخر ، وكلبنا ، ابن الكلب ، يعوي عند رؤوسنا ، لا يتركنا نقضي مدتنا المتبقية في هذا الكهف البارد ، المظلم ، المليء بالعناكب والخفافيش ، والرطوبة ، ورائحة الكبريت ، لا يتركنا ننجو من هذه الحياة بخير ، من هذه الحياة التي لا تبدو أنها بخير ، مسلولة ، مليئة بالأورام ، تعاني الايدز ، وحمى الضياع .
رجل 3 : أغثنا يا مغيث ، أغثنا يا رب .
رجل 2 : يا أبواب السماء ، افتحي ، استمعي لهذا الشدو الروحي .
رجل 1 : أيها الكلب ، الباسط ذراعيه بالوصيد ، يا ابن الستة عشر كلب ، اسكت ، لا تنبح بهذه الخطب المطولة ، والمواعظ المفصلة ، والتوجيهات الأخلاقية ، السماوية واللاسماوية ، حافظ على هدوء المكان ، المقابر لا تحتمل الهذار ، والقيل والقال ، اسكت عنا نحن اولاد الخوف ، شبعنا حتى التخمة من عُوائكم ، من أشكالكم ، من كذبكم . شبعنا نحن الذين نعيش وسط كل هذه التلال التي في داخلنا ، من الظلام والخوف والارتجاف ، نتلمس نور خافت ، لنجمة تلمع بصعوبة ، عميقا فينا ، للأمل ، للحب ، للحياة .
رجل 4 : ( يجلس صاحيا من السُكر) ماذا يجري هنا ! من أنتم ، ما لذي جاء بي الى هنا .
رجل 2 : ( يجلس ، يتحدث مع رجل 4 ) نحن نصلي .
رجل 4 : ولماذا أنا معكم !
رجل 2 : أنت جئت سكرانا من الحانة ، ودخلت لصلاة الجماعة ، وسجدت معنا .
رجل 4 : هنا ! في وسط ساحة المدينة ، وفي هذا الوقت !
رجل 3 : آمين ، آمين .
رجل 4 : سيطلع الفجر قريبا ، وتخرج الناس لعملها ، وتضحك منكم .
رجل 2 : سننتهي من الصلاة قبل حلول الفجر .
رجل 4 : سامحيني يا بارات العالم ، سامحيني يا خمور الدنيا ، لقد فقدت عقلي هذه الليلة .
رجل 2 : أسجد ، لا تقطع صلاتك ، لا تتوقف عن السجود معنا ، قد يحدث أن تدخل باب التوبة ، وتتوقف عن الخمر والبارات والملاهي الى الابد .
رجل 4 : ومن قال لك أنني أرغب بالتوبة عن الخمر والملاهي .
رجل 2 : قلت لك أكمل الصلاة وانت ساكت .
رجل 4 : حسنا ، سأرى ما هي نهايتكم ( يسجدان )
رجل 1 : رأسي ، مؤخرتي ، كل جسدي ، نُقّعت بالزيت المغلي ، وكأن بين رأسي ومؤخرتي تناسب طردي ، كلما توجع احدهما ، تداعى له الاخر بالبكاء بلا سبب ، وترديد مقطوعات لأغاني قديمة ، بصوت قبيح جدا ، يخافان على بعضهما من القادم ، يحكمهما نازع المناطقية ، الحزبية ، المذهبية ، القومية ، والتطرف الجديد .
رجل 4 : وللمؤخرات فنون وجنون .
رجل 1 : كلما شاهدت المؤخرات التي تحكمنا حلوى الطاطلي ، تهتز مشاعرها بشدة ، لأنها تصنع ما يشبه هذا الطاطلي في الشكل ، فتعتقد طويلا أنها تصنع إنجازا ، عرضا مسرحيا مبهرا ، تعتقد أنها صنعت لوحة مشرقة لمدن جديدة ، ينعم بها الناس ، ويتمتعون بفضائلها الزائفة ، المؤخرات لها اعتقاداتها ، افكارها ، ترتبها كما يلتوي الطاطلي ، لتحكم العالم بهذا الشكل المتداخل ، فالمؤخرات لا تشارك غيرها ، في أن الطرق المستقيمة هي الأقصر للوصول ، هي ترى أن هذه الالتواءات ، الانحناءات ، التزلف ، الوصولية ، الواسطات ، العلاقات ، المحسوبيات ، هي وحدها القادرة على ضمان الوصول ، للمناصب ، للسلطة ، للمال ، للوجاهة ، للقيادة .
رجل 4 : ( يجلس ) ولكن ما دخل المؤخرات والطاطلي بالصلاة والسجود !
رجل 2 : ( يجلس ) إنها صلاة بطريقة خاصة ، روحانية منقطعة النظير .
رجل 4 : كم كنت أحب الطاطلي ، لكن هذا الامام كرّهني بنفسي وبالطاطلي ! ( يسجدان )
رجل 1 : لسنا جميعا نشم الروائح التي تطلقها المؤخرات التي في الأعلى ، على سدة الحكم ، بعضهم لا يلتفت لها بتاتا ، والغالبية العظمى تجدها شيئا طبيعيا ، لا يزعجها ذلك بتاتا . لقد روضتها العفونة ، والنتانة ، والجيف الازلية . صار هذا الواقع جزءا ثابتا منها ، لا تستطيع أن ترى غيره ، ولا تفكر في تغيره .
رجل 4 : ( يجلس ) أعذرني سيدي الامام ، لن أواصل الصلاة .
رجل 1 : أفرغي بقاياهم يا جمجمتي ، آن وقت الخلاص ، النجاة ، الولادة .
رجل 3 : ( يجلس ) هل انتهت صلاة الجماعة !
رجل 1 : أشعر بتحسن كبير ، أشعر بأن جمجمتي أفرغت كل ما فيها من جيف .
رجل 2 : ( يجلس ) قد لا تحضون بصلاة كهذه الصلاة كل يوم ، فانا صليت في كل مساجد المدينة ، وخلف كل أئمة الصلاة فيها ، لكني لم أشعر ابدا بمثل هذه الروحانية والصدق والكلمات .
رجل 4 : ( يفكر ) ربما يكون إلصاق رأسي ، للمرة الاولى في الارض ، أشعرني بالراحة ، بالصحو ، بالوضوح ، شعور جديد ، لم أعرفه من قبل .
رجل 3 : رغم أنني لم أسمع كل ما قيل في هذه الصلاة ، لكن رأسي بدا لي أخف ثقلا الآن .
رجل 1 : الآن ، ما تبقى منهم شيء في رأسي ، صار رأسي كما الورقة البيضاء ، كما الطفل حين الولادة ، سيعود ليرتفع نحو الأعلى .
رجل 2 : رغم أني أدور كما النحل بين المساجد ، ولكني حين ألصقت رأسي هنا ، على هذا الرصيف راودتني مشاعر ، تشبه تماما لحظة ، الغسل ، التطهر ، التوبة .
رجل 4 : ( يسجد ) أشعر أني بخير حين ادوف انفي بهذه الأرصفة . أشعر بسلام لا يوازيه سلام شرب كل قناني خمر الدنيا . سلام بطعم الطمأنينة والسكينة والهدوء .
رجل 3 : ( يسجد ) أشعر أنني صرت طاهرا ، مما حملت من وزر ، ومن أحزان ، أشعر أنني احلق كما النوارس ، عاليا ، بأجنحة بيضاء .
رجل 2 : ( يسجد ) تهمس روحي على رصيفي هنا ، فيسمعها كل العالم .
رجل 1 : ( يجلس ، ينظر الى الرجال وهم يلصقون رؤوسهم بالأرض بقوة ) سوف تفرغون كل ما كان في رؤوسكم ، ولكن ، إياكم أن تتركوا المؤخرات في الأعلى الى الابد .
( ينهض رجل 1 ، ثم يغادر المكان ، يبقى رجل 2 ورجل 3 ورجل 4 ساجدين بصمت )
- ستار –
تركيا – سامسون
1 / 4 / 2019